الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (١) ، فإنّ القصة موجودة عند أهل الكتاب بعنوان التاريخ ، غير أنّ ما عندهم غير مأمون عليه من تحريف المحرفين أو سهو الناقلين وبخلاف إخباره سبحانه الذي (يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) وإليه يشير قوله تعالى في ذيل الآية : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) فانتفاء الحضور يجعله بناءا غيبيّا غير معلوم ، وإنّ قصّة التاريخ فهو سبحانه لا يسمّي بالعلم كلّ ما نسمّيه علما بالمسامحة العرفيّة ، ونظير الآية قوله تعالى في قصة مريم : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٢) ، ونظيره أيضا قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٣) ، وقريب منه قوله : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) (٤).
والآيات كما ترى تعلّق الوحي والعلم بنبأ الغيب لا بنفسه ، وقد قدّمنا في قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي) (٥) الآيات من البقرة ، إنّ العلم بالشيء غير العلم بنبأه وهو صورة الشيء بحسب الإخبار ، فالعلم بالشيء إحاطة بنفسه ، والعلم بنبأه إحاطة بنبأه وصورته دون نفسه ، فالعلم بنبأه الغيب غير العلم بالغيب ، قال سبحانه : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٦) ،
__________________
(١). يوسف (١٢) : ١٠٢.
(٢). آل عمران (٣) : ٤٤.
(٣). القصص (٢٨) : ٤٤.
(٤). هود (١١) : ٤٩.
(٥). البقرة (٢) : ٣١.
(٦). طه (٢٠) : ١١٠.