وكلّ شيء بالنسبة إليه ، سواء كان محدودا مقدرا كمن في السموات والأرض ، كما يشير إليه قوله سبحانه : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (١) ، أو غير مقدر ولا محدود ، كما يشير إليه قوله سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢) ، فإنّ القدر مصاحب للنزول وملازم له فجميع القسمين بأي حيثية أخذا غيبا أو شهادة محدود متناه بالنسبة إليه سبحانه ، كما يشير إليه قوله : (كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (٣) ، وهي جميعا معلوم محاط له سبحانه لا يشاركه غيره ، وقد جمع الجميع قوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) ، وهذه هي الموجودات التي وراء ساحة السموات والأرض الغائبة عنها.
ومفاتح جمع مفتح ، بفتح ، الميم وهو المخزن ، فيكون المراد خزائن الغيب ، وإمّا جمع مفتح بكسر الميم ، وهو المفتاح فيدلّ على أنّ هناك خزائن مسدودة الأبواب مغلّقتها ، عنده مفاتيحه لا يتصرف فيه إلّا هو سبحانه أو من أذن له وإرتضاه.
(وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) وهذه هي الموجودات الجسمانية ، فقوله : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) تعميم لما في الأرض أنفسها ، وقوله : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) ، تعميم لحالاتها وتحوّلاتها ، وقوله : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) وقرءت بالرفع ، (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، إشارة إلى حفظ كلّ شىء في الكتاب
__________________
(١). القمر (٥٤) : ٤٩.
(٢). الحجر (١٥) : ٢١.
(٣). الرعد (١٣) : ٨.