أنّ إراءة الملكوت له عليهالسلام كان قد شرع من حين قوله لأبيه : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) ، وقوله : (مَلَكُوتَ) مصدر بمعنى الملك ، والتاء للمبالغة فهي بمعنى الملك العظيم وحيث إنه سبحانه وصف لنفسه ملكا وملكوتا وهو الملك العظيم ، فلملكه سبحانه مرتبتان : مرتبة الملك ، ومرتبة عظمته ، وقد فسّر سبحانه ملكوته في قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (١) فتفريع قوله : (فَسُبْحانَ) على ما سبقه ، يدلّ على أنّ ملكوت كل شيء إفاضة وجوده بقوله : (كُنْ).
ومن المعلوم أنّ قول : (كُنْ) كناية عن إيجاده خارجا ، أي وجود الشيء ونفسه ، فلوجود كلّ شيء وجهان : وجه أمري ملكوتي هو كلمته سبحانه ، ووجه خلقي إلى نفسه ، وهو الذي عبّر عنه بقوله : (فَيَكُونُ) ، ولكلّ من الوجهين حكمه الخاصّ بنفسه ، كما مرّ بعض بيانه فيما مرّ ، وسيأتي تمام بيانه في سورة الإسراء ، إن شاء الله.
وحكم الملكوت أنّه قوله وكلامه سبحانه ، والقول حيث إنّه وسيلة التفهيم لا ينفكّ العلم به عن العلم بالقائل على قدر ما يعطيه القول من التعريف ، كما أنّ الملك من حيث إنّه ملك قائم بمالكه ، لا ينفكّ العلم به عن العلم بمالكه فرؤية الملكوت لا ينفكّ عن اليقين بالله تعالى ، وكذا لا ينفكّ عن العلم بحقيقة الشيء ذي الملكوت ، فإنّ الحقّ من وجود كلّ شيء هو مقدار ما قام منه بالله سبحانه ، وهو وجود المحتاج المدبّر وأمّا ما وراء ذلك وهو الذي نتوهّمه من استقلال وجود الأشياء وقدرتها وتدبيرها لأنفسها ، فذلك شيء يزيّنه الوهم ويسوّله الشيطان.
__________________
(١). يس (٣٦) : ٨٢ ـ ٨٣.