«وهو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله عليهالسلام فقال : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)» (١) الخبر.
وسيأتي بتمامه في آية العرش من سورة الأعراف.
ثم أقول : وقد أفادت الآية معنى مقام اليقين ، فاليقين بالله سبحانه لا يتمّ من دون إراءة الملكوت ولذلك وقع في بعض الروايات تفسير اليقين في قوله : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٢) بالموت ، فإنّ من أسباب انكشاف الغطاء عن الملكوت الموت ، وقد عرفت أن المشهود حينئذ أمران :
أحدهما : قيام الأشياء بالله سبحانه على ما يليق بساحة قدسه تعالى ، وكيفيّة حفظه لها بنفسه وبملائكته ، وما يؤول إليه حال الأشياء في سبيلي السعادة والشقاء ، من كتاب وحساب ، وجنة ونار ، قال تعالى : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٣) وقال تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٤).
والآخر : بطلان الأشياء وهلاكها في أنفسها ، ولا ينفكّ الأمران وخاصة أولهما عن ثانيهما ، إذ الغفلة عن بطلان الأشياء وفقرها ، وتوهّم استغنائها والإستقلال لها لا يجتمع مع اليقين بالله سبحانه ، والحال أنّ اليقين علم لا يقبل الشك والريب وخطرة الوهم.
__________________
(١). البرهان في تفسير القرآن ٣ : ٥٧٣ ؛ الكافي ١ : ١٢٩ ـ ١٣٠ ـ الحديث : ١ ؛ إرشاد القلوب ٢ : ٣٠٩ ؛ بحار الأنوار ٥٥ : ٩ ، الحديث : ٨.
(٢). الحجر (١٥) : ٩٩.
(٣). التكاثر (١٠٢) : ٥ ـ ٦.
(٤). المطففين (٨٣) : ١٨ ـ ٢١.