قوله سبحانه : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً)
وأنت إذا أخذت هذه الآيات الأربع وضممتها إلى قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، ثم تدبّرتها وتأمّلت في أطرافها وجدتها كلام إنسان قوي البيان أشدق اللسان ، غير أنّه لا يحسن الإنباء عن أسماء الكوكب والقمر والشمس كأنّه لم يراهنّ فيما يرى أولّ مرّة ، فيشير إليها لا بأسمائهن حتى أنّه يقول للشمس : هذا ربّي ، ولو علم منها ما يعلمه القوم لقال : هذه ربّي ، أو إنّها ربّي ، على أن السياق أيضا يعطي ذلك حيث قيل : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً) ، ثم قيل : (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) ، ثم قيل : (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً) ، وظهور الجميع في أنّ الرؤية كانت أوّلها.
فالإعتبار بهذا كلّه وما يلازمها يقتضي أنّه ـ عليهالسلام ـ كان إنسانا نشأ وتربّى في معزل لا يطأه الناس ، ومكان بعيد عن الإجتماعات ، مستور عن الناس ومعتقداتهم وآرائهم ورسومهم ، محجوب عن مشاهدة ما يشاهده كلّ من يعيش حرّا على بسيط الأرض.
فنشأ وليس معه إلّا المعلومات البسيطة غير المشوبة ، والفطريات غير المموّهة ، ولم يلق من الناس إلّا بعض من يقوم بأصول حياته من غذاء وستر وتكليم ، ثم إذا بلغ مبلغ الشبّان خرج والتحق بأبيه وأهله ، ورأى جماعات الناس وتحولاتهم وتقلباتهم ، وكلّ ذلك جديد عنده ينظر إلى كلّ ما يشاهده بنظر الفكر وعين الإعتبار ، فإنّ الأنس بالشيء والإعتياد لا يدع النفس تبحث عن أصله وحقيقته فحاجّ أباه وأنكر على أبيه في أمر الأصنام.
ثم إنّه جنّ عليه الليل وكانت الليلة لا محالة من ليالى النصف الأخير من