الشهر القمري ، فإنّه رأى القمر بازغا بعد ما رأى كوكبا مشرقا ، ولعلّه كانت الزهرة ثم أفل ، فرأى القمر وهذا لا يتحقق إلّا في النصف الأخير من الشهر ، فخالف الناس في أمر الكوكب والقمر.
ثم إنّه أصبح ورأى الشمس واعتبر أمرها خالف فيه القوم ممن يعبدها ، والدليل على أن الناس كانوا يعبدونها.
قوله : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) ، وقوله : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) فأفاد أنّ هاهنا قوما ضالين ، وقوله : (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) فأفاد أنّ مخاطبيه مشركون في عبادتهما وهو عليهالسلام في جميع هذه الأحوال لم يكن بصدد هداية القوم ، بل في طريق اهتداء نفسه كما يشعر به كلامه الذي نقله الله عنه وإن كان المنقول عنه في غير هذه السورة على غير هذا الوجه ، بل مجموعا فيه توحيده في نفسه ودعوته لقومه.
وهذا الذي ذكرناه من الإعتبار يؤيّد ما في بعض الروايات : أنّ ملك عصره عليهالسلام كان يفرّق بين النساء والرجال ويقتل الصبيان ، فحملت أم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ به وكانت تتستّر بحملها ، ثم لمّا وضعته إحتضنت به في غار سرّا وخوفا عليه ، وكانت تتعاهده أحيانا وترضعه وتربّيه ، حتى إذا كبر خرج عن الغار على حين غفلة من أمّه ولحق بأبيه وأهله ، فكان من أمره ما كان.
وفي العيون : عن الرضا ـ عليهالسلام ـ أنّه سأله المأمون فقال له : يا بن رسول الله! أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ، قال : فأخبرني عن قول الله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) ، فقال الرضا ـ عليهالسلام ـ : إنّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وقع إلى ثلاثة أصناف ، صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ، وذلك حين خرج من السرب الذي