عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)]
قوله تعالى : (لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ)
يفيد أنّ تلاوته بمشيئة الله محضا لا يشوبه مشيئة النبيّ ، فلو شاء ما تلوته عليكم ولا أعلمكم به ، والشاهد عليه قوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ).
وحاصل الكلام : إنّ معاشرتي معكم وتقلّبي في أطوار الحياة فيكم سنين من عمري يدلّكم على أنّ هذا الذي أتلوه عليكم من كتاب الله تعالى على ما هو عليه من عجيب الأمر لا ينتهي إلى نفسي واختياري وتدبيري ، بل إنّ هذا الأمر إلى الله محضا ، فلو شاء ما تلوته عليكم ولو شاء ما دريتم به ، فلو غيّرت شيئا منه من تلقاء نفسي لكنت أظلم الناس ، كما أنّكم إن كذّبتموه صرتم أظلم الناس لظلمكم في جنب الله ـ سبحانه ـ ، والظلم يعظم بعظم ما يتعلّق به.