قرّر تعالى ذلك بقوله : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ)، وهو نظير ما هو المعمول عندنا من بيان الحكم الكلّي ثمّ المثال بشيء من جزئيّاته ، فهو بيان بوجه وتعليل بوجه ، ولذلك جاء بالفصل من وصل.
وقوله تعالى : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)
التفات من الخطاب إلى الغيبة لفائدة التعجب ، فالمقام مقام من يحسن كلّ الإحسان إلى بعض المحتاجين إليه المرتزقين منه ، وهو يلتجىء إليه في وقت الشدّة وينساه في موسم الرخاء ، فيخاطبه بتقرير كرامته له وخيانته إيّاه ، وإعمال نفوذه ، وبسط اقتداره ، وإنّ غدره يعود إليه لا محالة ولا يتعدّاه إلى غيره ، فيخاطبه بقصصه حتّى إذا وصل إلى أعجب محلّ من أنبائه تركه ورجع في حديثه إلى بعض السامعين فقصّه بموضع العجب من القصّة ليتعجّب من أمرهم ثمّ يعود إلى ما كان عليه من الخطاب أوّلا ، فهو تعالى يخاطب هؤلاء الماكرين بقصصهم الّتي تنبيء عن ذلك ، حتّى إذا بلغ موضع غفلتهم عن ربّهم ، حيث لا يذكرون الله ولا يرقبون زوالا لنعمتهم ، وافتقارا إلى منعمهم ، تركهم وتحوّل في الخطاب لرسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ليقضي من أمرهم العجب ، ولذلك لم يقع الإلتفات من أوّل الآية بل أخّر إلى وسطها ، حيث يبلغ الحديث مبلغ العجب وهو جريان الريح الطيّبة وفرحهم بها ، كأنّهم قد ملكوها وانقادت لهم أسباب الأمن والسلامة.
قوله تعالى : (رِيحٌ عاصِفٌ)
أي شديدة الهبوب ، وقوله لهم تعالى : (أُحِيطَ بِهِمْ) كنّى بالإحاطة عن الهلاك.