بيان ممكن ، وتشير إليها على أدقّ إشارة وإيماء ، وهي كالشرح لإجمال قوله تعالى : (الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (١).
قوله : (مَكانَكُمْ)
أي : الزموا مكانكم ولا تعدوه.
وقوله تعالى : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ)
أي فرّقنا بينهم ، كناية عن بطلان الروابط الدنيويّة التي زيّنها في أبصارهم والأوهام ، فيعود كلّ شيء فردا منفردا ليس معه إلّا نفسه وما كسبته نفسه والله المالك القاهر ، فيقول : (شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ.)
وهذا الكلام معهم كلام من غير مجرى العادة ، فإنّ الروابط قد تزيّلت والأسباب قد تقطّعت ، ثمّ يؤكّده أو يفسّره قوله تعالى : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ).
وهاتان الجملتان أعني قولهم : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ)، ثمّ قولهم : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) يبيّن بأتمّ البيان أنّ عبادة المشركين لشركائهم ليس إلّا في ظرف وهمهم ووعاء زعمهم ، فكان النفي له والغفلة عنه سيّين كما تشاهد في الجملتين بوضع إحداهما في جنب الاخرى ، فالشركاء يقولون : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) فينفون عبادتهم ، ثمّ يعطفون على ذلك بفاء التعليل قولهم : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) فمؤدّى الجملتين بمجموعهما هو قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما
__________________
(١). الانفطار (٨٢) : ١٩.