ثانيها : السمع والأبصار ، وكلّ ذي سمع وبصر لا يملك من هاتين الحاستين الحيويتين شيئا لا وجودا ولا عدما ، ولا بقاءا ولا زوالا فلهما مالك.
ثالثها : إرتباط الحياة بالممات ، وهو خروج الحيّ من الميّت ، والميّت من الحيّ ، وفوق ذلك رابط مخرج.
رابعها : تدبير أمر هذه الثلاثة ، وتأليف النظام الجاري بينها وهو يستدعى مدبّرا ، والإنسان مضطر مفطور على أن يسند هذه الأمور إلى غير عالم الطبيعة وهو الله عزّ اسمه ، وهو قوله : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ)، ثمّ استنتج من قولهم الله سبحانه : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) ثمّ استنتج قوله تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) فتمّ القول : إنّ المشركين في عبادتهم الأصنام على الضلال.
قوله تعالى : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ)
كأنّها إشارة إلى قوله تعالى في آخر الآية السابقة : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) فإنّ الحجّة السابقة أفادت أنّهم مع اعترافهم اعترافا فطريا اضطراريا أنّ الله هو ربّهم مشركون ، فهم منكرون في عين أنّهم معترفون ، وليس ذلك إلّا بصرف إلهيّ كما قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) (١) فحقّت عليهم كلمة الله ـ سبحانه ـ أنّ الفاسقين لا يؤمنون ، وقد تكرّر في كلامه تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢).
__________________
(١). الجاثية (٤٥) : ٢٣.
(٢). المائدة (٥) : ٥١ ؛ الانعام (٦) : ١٤٤ ؛ القصص (٢٨) : ٥٠ ؛ الإحقاف (٤٦) : ١٠ ؛ ومثلهم في : البقرة (٢) : ٢٥٨ ؛ آل عمران (٣) : ٨٦ ؛ التوبة (٩) : ١٩ و ١٠٩ ؛ الصف (٦١) : ٧ ؛ الجمعة (٦٢) : ٥.