حيث أردفهما بقوله : (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبقوله : (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) فأجاب هو تعالى نفسه لا عن قبل المشركين ، مع أنّ هذه المعاني على نسق واحد ، فلو كان الأوّل فطريا فالثاني والثالث أيضا كذلك.
لأنّا نقول : إنّ الأمر كما ذكر ، فالجميع معان معلومة بالفطرة ، إلّا أنّ البيان مسوق سوقا مختلفا ، فالحجّة الأولى مسوقة للكشف عن ربّ واحد هو الله سبحانه ، ولذلك تمسّك بالفطرة ، والحجّتان الأخيرتان للكشف عن بطلان ربوبيّة الشركاء ، ولا جواب للمشركين في ذلك كما بيّناه آنفا فتدبّر.
وأمّا ما ذكره بعضهم في الآية : أنّه تعالى جعل الإعادة كالإبداء لظهور برهانها ، وإن لم يساعدوا عليها فهو معنى بعيد عن الآية بمراحل.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي)
أصل قوله : (يَهْدِي)» ، «يهتدي» قلب «التاء» ، «دالا» ثمّ أدغم إحدى الدالين في الأخرى ، وتقييد قوله : («لا يَهِدِّي) بقوله : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) يدلّ على أنّ المعنى لا يهتدي بنفسه إلّا أن يهديه غيره ، وحينئذ فالمقابلة بين قوله تعالى : (مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) وقوله : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) يدلّ على أنّ من يهدي إلى الحقّ يجب أن يهتدي بنفسه ، وأيضا أنّ من يهتدي بغيره لا يهدي إلى الحقّ ، فهو سبحانه لا يسمّى هاديا إلّا من لا يحتاج في كونه مهتديا إلى غيره ، ومن احتاج في إهتدائه إلى هداية الغير فليس بهاد.
وهذه الآية تدلّ على عصمة إلامام فإنّه هاد ، والهادي يجب أن يكون مهتديا بنفسه فلا يكون ضالّا ، وكلّ من اقترف معصية أو ظلما ضالّ غير مهتد ، وقد ورد