لكن الظاهر من نظائر الآية : أنّ البشرى غير انتفاء الخوف والحزن ، بل هي الجنّة والفوز ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (١).
فالآيات كما ترى واردة مورد الولاية ، وهي تخاطب أوّلا : بنفي الخوف والحزن ، ثمّ تبشّر ثانيا : بالجنّة ، فقوله تعالى : (أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) بمنزلة إعطاء الأمان للمتزلزل المضطرب ، حتّى يتهيّأ لتلقّي البشرى ، وكيف كان فهي تعطي البشرى بما دون نفي الخوف والحزن ، ونظيرها قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).
ومن هنا يظهر أنّ قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى) ليس إنشاءا للبشارة ، بل إخبارا وحكاية عن البشارة ، على أنّ اللفظ أيضا لا يلائمه ، فإنّ إنشاء البشارة إنّما يكون بغير هذا اللّفظ كقوله تعالى : (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ)، وقوله تعالى : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) (٣).
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الآية تخبر عن تحقق بشارة لهم في الدنيا وفي الآخرة ، ويستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) ـ إلى قوله ـ (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٤) ، أنّها بشارة الآخرة بشارة بالجنّة ، وهي
__________________
(١). فصّلت (٤١) : ٣٠ ـ ٣١.
(٢). الاحقاف (٤٦) : ١٣ ـ ١٤.
(٣). الحديد (٥٧) : ١٢.
(٤). فصّلت (٤١) : ٣٠.