الإدراكيّة تختلف إدراك المدركين ، فإنّ التلذّذ بالحضور على مائدة العظماء تختلف باختلاف الحاضرين ، فمنهم من التذاذه اشباع بطنه فحسب ، ومنهم من يتلذّذ بلذائذ طعوم الوان الطعام ، ومنهم من يتلذّذ بشرف الحضور ولذّة القرب إلى غير ذلك ، وكذلك الأمر في الحضور الباطني فمنهم من يريد النجاة من النار ، ومنهم من يبتغي التنعّم بنعيم الجنّة ، ومنهم من لا يريد إلّا الله ـ سبحانه ـ ، ولا يبتغي غير القرب منه ورضاه عنه وهو المحبة ، فخوفه من النار وشوقه إلى الجنّة إرادة منه إلى قربه وهو حاصل بالجنّة دون النار ، فيشتاق إلى هذا ويخاف من ذلك بالتبع ، وإلى الله الرجعى.
وفي تفسير العيّاشي عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في الآية : هم نحن وأتباعنا ، ممّن تبعنا من بعدنا ، طوبى لنا وطوبى لهم ، وطوبا هم أفضل من طوبانا ، قيل : ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال : لا ، إنّهم (١) حمّلوا ما لم تحمّلوا وأطاقوا ما لم تطيقوا (٢).
أقول : والأخبار في هذه المعاني كثيرة (٣).
قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)
لو كان قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) في مقام التفسير لأولياء الله لم يبعد أن يكون بشراهم في الدنيا والآخرة نفس قوله تعالى : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٤) فإنّه سلام عامّ وراحة كبرى يستتبع من الله ـ سبحانه ـ كلّ مزيد ،
__________________
(١). في المصدر : «لأنّهم»
(٢). تفسير العيّاشي ٢ : ١٢٤ ، الحديث : ٣٠.
(٣). أنظر بحار الأنوار ٦٨ : ٣٤ ، الحديث : ٧٢ ؛ ٦٩ : ٢٧٧ ، الحديث : ١٠.
(٤). البقرة (٢) : ٢٧٤.