هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (١) ، ثمّ بقوله في آخر قصص الأنبياء (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) ، إلى غير ذلك.
وعلى هذا فما ذكره من قصص الأنبياء ، إنّما ذكره لأن يستشهد به على ثبوت العذاب والهلاك القطعي لكلّ قوم وإنجاء المؤمنين منهم ، وإنّ ذلك من جهة أنّ الكلمة حقّت عليهم أنّ الفاسقين لا يفلحون ، ولذلك لخصّ قصص الأنبياء المذكورين في هذه السورة ، وأورد منها ما يدلّ على امتناعهم من الإيمان ونزول العذاب بهم ، وعاقب الجميع بإستثناء قوم يونس ـ عليهالسلام ـ.
فيتحصّل من جميع هذه البيانات والقصص المبنيّة والشواهد المذكورة معها ما هو كالنخبة والفهرس لحياة بني آدم في الدنيا وتقلّبهم في أديم الأرض ، وهو أنّ الاجتماع الإنساني إنّما يحيي الحياة الناجية الآمنة بالإيمان والعمل الصالح ، حتّى تنشأ فيهم طبقة عاتية طاغية ، ولا تزال هذه الطبقة تعيش قاصدة إلى أجلها المضروب لها ، حتّى إذا بلغته أخذها العذاب الإلهي ، فميزها عن المؤمنين فأهلكها ، ونجّى الله الذين آمنوا بإيمانهم ، ومحى المشركين ببغيهم. ثمّ لا يزال المؤمنون على طيب الحياة ، حتّى يعود بهم الحال إلى ما كانوا عليه من الشرك والبغي ، فتعود العادة الالهية إلى ما كانت عليه من أخذ المشركين وترك المؤمنين ، وإذا كان الحال هذا فالدنيا محفوظة بإيمان المؤمنين ، والبقاء النوعي مرهون الاخلاص لله سبحانه لما يشاهد في الدنيا بحسب سير حياتها أنّ أهل الإيمان والصلاح باقون ببقائها ، وأنّه كلّما نشأت طائفة معتدية باغية سار بهم بغيهم إلى البوار ، وانتهى طغيانهم إلى الهلاك والفناء.
__________________
(١). يونس (١٠) : ٥٣.
(٢). يونس (١٠) : ٩٦.