أقول : أفعال الإنسان صادرة عن مبادئ وملكات نفسانيّة خفيّة غير محسوسة ، والأفعال مع ذلك تهيّئ بتكرّرها ملكات تناسبها ، فالملكات تصدر أفعالا تناسبها وتدفع من الأفعال ما لا يلائمها ، فإذا اريد ظهور ما في النفس من صفة كامنة عرض عليها أفعال تلائمها أو تضادّها ، حتّى يظهر تأثيرها ويبرز ذاتها وحدّها ومقدارها ، والغالب على الإنسان الجهل بمكمونات النفوس ، ولذلك يستعمل الامتحان لغرض رفع الجهل وظهور الأمر.
لكنّ الله سبحانه يستحيل عليه الجهل ، فامتحاناته وابتلاءاته لغرض التربية ، وهو ربّ العالمين يخرج بذلك كلّ شيء من القوّة إلى الفعل في جميع الجهات ويظهر ما فيه من الاستحقاق.
ومن هنا يظهر أنّ الفتنة والامتحان ممّا لا مناص عنه في شيء ، فكلّ ما في وسع الإنسان من خير أو شرّ يجب أن يظهر بالامتحان الإلهي ليتمّ التربية ، فإن كان خيرا كان تربية وإسعادا ، وإن كان شرّا كان تربية وخذلانا وإضلالا ، وإليه يشير ما سيأتي عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ : من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن ، الحديث. (١)
وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ في الآية : أخبرت أنّهم أصحاب الجمل. (٢)
أقول : وهو من الجري.
قوله سبحانه : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ)
وقوع الآية في ذيل الآيات السابقة وما عدّه تعالى من النعم يدلّ على أنّ
__________________
(١). بحار الانوار ٩٤ : ١٩٧ ؛ نهج البلاغة : ٤٨٤ ، قسم الحكم ، الكلمة : ٩٣.
(٢). تفسير العيّاشي ٢ : ٥٣ ، الحديث : ٤١ ؛ الدر المنثور ٤ : ٤٦.