فإن قلت : فما هو الوجه في قول الله سبحانه عن صاحب موسى : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) ، (١) وقوله عن هارون : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، (٢) وقوله تعالى للنبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ، (٣) وقد نسب الخشية إلى هؤلاء الذين لا يجوز اتّصافهم بصفة مذمومة.
قلت : أمّا قوله : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما) ، (٤) فالخشية من إضلال المؤمن الصالح خشية من الله سبحانه ، وكذا قوله : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ) ، (٥) فالخشية من موسى نبيّ الله خشية أيضا من الله تعالى.
وأمّا قوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ) ، (٦) فقد نزلت في قصّة زينب امرأة زيد بن حارثة وإنّما كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ يخشى الناس في جنب الله أن يفسد إيمانهم ويضعفوا في أمر الله وهو في الحقيقة خشية من الله تعالى ، فهو سبحانه إنّما يحوّله ـ صلىاللهعليهوآله ـ من نوع من الخشية إلى نوع آخر منها ، أي من خير إلى ما هو خير منه ، والشاهد عليه قوله تعالى بعد هذه الآية : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) ، (٧) فهو نصّ في أنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ كان لا يخشى إلّا الله سبحانه ، فقوله :
__________________
(١). الكهف (١٨) : ٨٠.
(٢). طه (٢٠) : ٩٤.
(٣). الأحزاب (٣٣) : ٣٧.
(٤). الكهف (١٨) : ٨٠.
(٥). طه (٢٠) : ٩٤.
(٦). الأحزاب (٣٣) : ٣٧.
(٧). الأحزاب (٣٣) : ٣٩.