قيل : إن الآية نزلت فى عثمان وعبد الرحمن بن عوف ـ رضى الله عنهما ؛ أما عثمان فإنه جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها. وقال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عثمان بألف دينار فى جيش العسرة ، فصبها فى حجر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فرأيت النبىّ صلىاللهعليهوسلم يدخل يده فيها ، ويقلّبها ويقول : «ما ضرّ ابن عفّان ما عمل بعد اليوم». زاد فى رواية أبى سعيد : فرأيت النبي صلىاللهعليهوسلم رافعا يدعو لعثمان ، ويقول : «يا رب عثمان بن عفان ، رضيت عنه فارض عنه». وأما عبد الرحمن : فإنه أتى النّبى صلىاللهعليهوسلم بأربعة آلاف درهم ، صدقة ، وأمسك أربعة آلاف لعياله ، فقال له النّبى صلىاللهعليهوسلم : «بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت».
وإنما لم يدخل الفاء فى قوله : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) ، مع أن الموصول قد تضمن معنى الشرط ، إيهاما بأنهم أهل لذلك ، وإن لم يفعلوا ، فكيف بهم إذا فعلوا. قاله البيضاوي.
الإشارة : التقرب إلى الله تعالى يكون بالعمل البدني وبالعملي المالى ، وبالعمل القلبي ، أما العمل البدني ، ويدخل فيه العمل اللساني ، فقد ورد فيه التضعيف بعشر وبعشرين وبثلاثين وبخمسين وبمائة ، وبأكثر من ذلك أو أقل ، وكذلك العمل المالى : قد ورد تضعيفه إلى سبع مائة ، ويتفاوت ذلك بحسب النيات والمقاصد ، وأما العمل القلبي : فليس له أجر محصور ، قال تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، فالصبر ، والخوف ، والرجاء ، والورع ، والزهد ، والتوكل ، والمحبة ، والرضا ، والتسليم ، والمعرفة ، وحسن الخلق ، والفكرة ، وسائر الأخلاق الحميدة ، إنما جزاؤها : الرضا ، والإقبال والتقريب ، وحسن الوصال. قال تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) أي : أكبر من الجزاء الحسى الذي هو القصور والحور.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : «تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة». فإنما هو كناية عن الكثرة والمبالغة ، كقوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ). ومثله قول الشاعر (١) :
كلّ وقت من حبيبى |
|
قدره كألف حجّه |
أي : سنة. والله تعالى أعلم.
ثم بيّن الحق تعالى أن حسن الخلق ولين الجانب أفضل من الصدقة المشوبة ، فقال :
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣))
قلت : (قول) : مبتدأ ، و (خير) : خبر ، والمسوّغ الصفة.
__________________
(١) وهو الششترى.