يقول الحق جل جلاله : (قَوْلٌ) جميل يقوله الإنسان للسائل فى حال رده ، حيث لم يجد ما يعطيه ، (خَيْرٌ) وأفضل عند الله من الصدقة التي يتبعها المن والأذى ، ومثال القول المعروف : الله يرزقنا وإياك رزقا حسنا. والله يغنينا وإياك من فضله العظيم ، وشبه ذلك من غير تعبيس ولا كراهية. (وَمَغْفِرَةٌ) للسائل والعفو عن جفوته وإلحاحه ، (خَيْرٌ) أيضا (مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها) منّ ، أو (أَذىً) للسائل ، علم الحق جل جلاله أن الفقير إذا ردّ بغير نوال شقّ عليه ، فربما أطلق لسانه وأظهر الشكوى فأمر المسئول بالعفو والتواضع. ولو شاء الحق تعالى لأغنى الجميع ، لكنه أعطى الأغنياء ليظهر شكرهم ، وابتلى الفقراء لينظر كيف صبرهم ، (وَاللهُ) تعالى (غَنِيٌ) عن إنفاق يصحبه من أو أذى ، (حَلِيمٌ) عن معاجلة من يمنّ أو يؤذى بالعقوبة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : يفهم من الآية أن حسن الخلق ، ولين الجانب ، وخفض الجناح ، وكف الأذى ، وحمل الجفاء ، وشهود الصفاء ، من أفضل الأعمال وأزكى الأحوال وأحسن الخلال ، وفى الحديث : «إنّ حسن الخلق يعدل الصيام والقيام».
وفى قوله : (وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) : تربية للسائل والمسئول ، فتربية السائل : أن يستغنى بالغنيّ الكبير عن سؤال العبد الفقير ، ويكتفى بعلم الحال عن المقال ، وتربية المسئول : أن يحلم عن جفوة السائل فيتلطف فى الخطاب ، ويحسن الرد والجواب. قال فى شرح الأسماء : والتخلق بهذا الاسم ـ يعنى الحليم ـ بالصفح عن الجنايات ، والسمح فيما يقابلونه به من الإساءات ، بل يجازيهم بالإحسان ، تحقيقا للحلم والغفران. ه.
ثم حذر الحق تعالى من المن والأذى فى الصدقة ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤))
قلت : (كالذى) : الكاف فى محل نصب على المصدر ، أي : إبطالا كإبطال الذي ينفق ماله رئاء الناس. أو حال ، أي : مشبّهين بالذي ينفق رئاء. و (رئاء) مفعول له ، والصفوان : الحجر الأملس ، والصلد : البارز الذي لا تراب عليه ، وجمع الضمير فى قوله : (لا يقدرون) باعتبار معنى (الذي) ؛ لأن المراد به الجنس.