بدرهمين ضيع درهما من غير فائدة ، بخلاف من اشترى سلعة بدرهم ، وباعها بدر همين ، فلعل مساس الحاجة ، والرغبة فيها ، توقع رواجها فيجبر الغبن.
(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) كالنهى عن الربا ، (فَانْتَهى) وترك الربا (فَلَهُ ما سَلَفَ) قبل التحريم ولا يردّه ، (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) لا إلى أحد منكم ، فلا يتعرض له ، (وَمَنْ عادَ) إلى تحليل الربا بعد بلوغه النهى (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنهم كفروا وسفهوا أمر الله. (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) أي : يذهب بركته ، ويهلك المال الذي يدخل فيه (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) أي : يضاعف ثوابها ويبارك فى المال الذي أخرجت منه ، فقد روى عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : «ما نقص مال من صدقة» ، «وأنه يربى الصدقة حتى تكون مثل الجبل». قال يحيى بن معاذ : (ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبّة من الصدقة).
(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) أي : مصرّ على تحليل المحرمات ، (أَثِيمٍ) أي : منهمك فى ارتكاب المنهيات ، أي : لا يرتضى حاله ، ولا يحبه كما يحب التوابين.
ثم ذكر مقابله فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وصدّقوا بما جاء من عنده ، (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي : أتقنوها (وَآتَوُا الزَّكاةَ) أي : أدوها على التمام ، فلهم أجرهم عند ربهم إذا قدموا عليه ، (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من آت ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما فات ، إذ لم يفتهم شىء حيث وجدوا الله.
ثم أكد فى أمر الربا ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي : اتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربا ، فلا تقبضوها منهم ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٧٨). فإن دليل الإيمان : امتثال ما أمرتم به ، روى أنه كان لثقيف مال على بعض قريش ، فطالبوهم عند الحلّ بالمال والربا ، فنزلت الآية.
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) وتتركوا ما نهيتم عنه ، (فَأْذَنُوا) أي : فاعلموا (بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ومن قرأ : فآذنوا بالمد ، فمعناه : أعلموا بها غيركم ، روى أنها لما نزلت ، قالت ثقيف : لا يدان (١) لنا بحرب الله ورسوله. (وَإِنْ تُبْتُمْ) من تعاطى الربا واعتقاد حله (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) الغريم بأخذ الزيادة ، (وَلا تُظْلَمُونَ) (٢٧٩) بنقص رأس مالكم. مفهومه إن لم يتب فليس له شىء ، لأنه مرتد. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) يقال : مالى بهذا الأمر يد ويدان أي : لا طاقة لى به ، لأن المدافعة تكون باليد ، فكأن يده معدومه لعجزه عن دفعه.