(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧))
قلت : (الربا) فى الأصل : هو الزيادة ، ربا المال يربو : زاد. وكتبت بالواو مراعاة للأصل ، وهو المصدر ، قال الفراء : إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الكتابة من أهل الحيرة ، ولغتهم الربو ، فعلموهم صورة الحروف ، وكذلك قرأها أبو السمال العدوى ، وقرأ الأخوان بالإمالة لمكان الكسرة ، والباقون بالتفخيم.
والربا فى اصطلاح الشرع على قسمين : ربا الفضل وربا النّساء ، فأما ربا الفضل فهو التفاضل بين الطعامين أو النقدين فى المبادلة من الجنس الواحد ، فإن اختلفت الأجناس فلا حرج ، وأما ربا النساء فهو بيع الطعامين أو النقدين بعضهما ببعض بالتأخير ، وهذا حرام ولو اختلفت الأجناس.
يقول الحق جل جلاله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) أي : يأخذونه ، وإنما خص الأكل لأنه أعظم منافع المال ، (لا يَقُومُونَ) من قبورهم يوم البعث (إِلَّا كَما يَقُومُ) المجنون (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ) أجل (الْمَسِ) الذي يمسه يقوم ويسقط ، روى أن بطونهم تكون أمامهم كالبيت الضخم ، يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع ، وعن أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما أسرى بي إلى السماء رأيت رجالا بطونهم كالبيوت ، فيها حيّات ترى من خارج بطونهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ فقال : أكلة الرّبا».
(ذلِكَ) العذاب بسبب أنهم استحلّوا الربا ، و (قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) فنظموا الربا والبيع فى سلك واحد ، وفيه عكس التشبيه. والأصل : إنما الربا مثل البيع ، قصدوا المبالغة ، كأنهم جعلوا الربا أصلا وقاسوا عليه البيع. وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه يقول الغريم : زدنى فى الأجل أزدك فى المال ، فيفعلان ، ويقولان : سواء علينا الزيادة فى أول البيع بالربح أو عند محل الدين ، هو مراضاة. فكذبهم الحق تعالى بقوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) ؛ لأن القياس مع وجود النص فاسد ، والفرق ظاهر ؛ فإن من باع درهما