حتى هم بترك الحانوت ؛ فبعث إليه الجنيد بمال كان صرف إليه ، وقال له : اجعل هذا فى بضاعتك ، ولا تترك الحانوت فإنّ التجارة لا تضرّ مثلك. ويقال : إن هذا لم يكن يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه. ه.
وكان عبد الله بن المبارك يصرف مصروفه لأهل العلم ، ويقول : إنى لا أعرف بعد النبوة أفضل من العلماء ، فإذا اشتغل قلب أحدهم بالحاجة والعيلة لم يتفرغ للعلم ، ولا يقبل على تعليم الناس ، فرأيت أن أكفيهم أمر الدنيا ؛ لأفرغهم للعلم ، فهو أفضل. ه. والله تعالى أعلم.
ثم رغّب فى النفقة مطلقا ، فقال :
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤))
قلت : الموصول مبتدأ ، و (فلهم أجرهم) : خبر ، والفاء للسببية ، ولأن فى الموصول معنى الشرط ، وقيل : الخبر محذوف ، أي : ومنهم الذين ينفقون إلخ ، و (فلهم) : استئناف بيانى.
يقول الحق جل جلاله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) ، ويعمرون أوقاتهم بفعل الخيرات ، (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) إذا قدموا عليه ، (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من لحوق مكروه ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فوات محبوب ، بل وجدوا الله فأغناهم عن كل شىء.
قيل : نزلت فى أبى بكر رضي الله عنه ؛ تصدّق بأربعين ألف دينار ، عشرة بالليل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة بالسر ، وعشرة بالعلانية ، أو فى علي ـ كرم الله وجهه ـ لم يملك إلا أربعة دراهم ، فتصدق بدرهم ليلا ، ودرهم نهارا ، ودرهم سرا ، ودرهم علانية. وهى عامة لمن فعل فعلهما.
الإشارة : أجر بذل الأموال هو إعطاء الثواب من وراء الباب ، والأمن من العذاب وسوء المآب ، وأجر بذل النفوس هو دخول حضرة القدوس ، والأنس بالأحباب داخل الحجاب ، فمن بذل نفسه لله على الدوام ، أمنه من الحجبة فى دار السلام ، فلا خوف يلحقهم فى الدارين ، ولا يعتريهم حزن فى الكونين. وبالله التوفيق.
ولما رغّب فى الصدقة ، وكانت فى الغالب لا يتوصل إليها إلا بتعاطى أسباب المال ، وهو البيع والشراء حذر من الريا ؛ لئلا يتساهل الناس فى المعاملة به ، حرصا على الصدقة ، فقال :