المخالفة ، وذلك درجة الأول من الولاية ، والأبرار أهل الاستقامة فى المعرفة ، وبين أن أهل التقوى فى الجنة ، والأبرار فى الحضرة. ه.
ولمّا عاتب الحق تعالى ، فيما تقدم ، أهل الكتاب ، وكان فيهم من لا يستحق العتاب ؛ لاتباعه الحق والصواب ، أخرجه الحق تعالى بقوله :
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩))
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه ممن أسلم من اليهود ، (لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) إيمانا حقيقيا ، (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من القرآن ، (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من التوراة ، حال كونهم (خاشِعِينَ لِلَّهِ) خاضعين مخبتين وافين بالعهد ، (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) ، كما فعل المحرفون من أحبار اليهود ، (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : ما وعدوا به من تضعيف أجرهم مرتين ، (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ؛ فيسرع الى توفية أجورهم وإكرام منقلبهم ؛ لأن الله عالم بالأعمال وما تستوجبه من النوال ، فلا يحتاج إلى تأمل ولا احتياط ؛ لأنه غنى عن التأمل والاحتياط.
وقيل : نزلت فى النصارى : أربعين من نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، قدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم وأسلموا. وقيل : نزلت فى النجاشي ، لما نعاه جبريل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فخرج ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وصلى عليه ، فقال المنافقون : انظروا الى هذا ، يصلى على علج (١) نصرانى ، فنزلت الآية. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد رأينا بعض الفقهاء حصل لهم الإيمان بخصوص أهل زمانهم ، فتحققوا بولايتهم ، ونالوا شيئا من محبتهم ، لكن لم تساعفهم الأقدار فى صحبتهم ، فظهرت عليهم آثار أنوارهم ، واقتبسوا شيئا من أسرارهم ، فتنورت سريرتهم ، وكملت شريعتهم ، وأظهر عليهم آثار الخشوع ، وأخذوا حظا من التواضع والخضوع ، متخلقين بالقناعة والورع ، قد ذهب عن قلبهم ما ابتلى به غيرهم من الجزع والهلع ، فلا جرم أن هؤلاء لهم أجرهم مرتين : أجر ما تحملوا من الشريعة لنفع العوام ، وأجر ما اكتسبوا من محبة القوم ؛ «المرء مع من أحب». وبالله التوفيق ، وهو الهادي الى سواء الطريق.
__________________
(١) العلج : الرجل القوى الضخم.