شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) ، الذكر والأنثى سواء ، لأن الإدلاء للميت بمحض الأنوثة ، ومفهوم الآية : أنهما لا يرثان مع الأم والجدة ، كما لا يرثان مع البنت وبنت الابن ، إذ ليس حينئذ بكلالة ، وإنما قيدنا الأخ والأخت بكونهما للأم لأن الأخ الشقيق أو للأب سيأتى فى آخر السورة. والأخت تقدم أنّ لها النصف ، وأيضا : قد قرأ سعد بن أبى وقاص ، وابن مسعود : «وله أخ أو أخت لأم».
وهذا كله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ) حال كونه (غَيْرَ مُضَارٍّ) فى الوصية أو الدين ، كالوصية بأكثر من الثلث ، أو للوارث ، أو فرارا منه ، فإن علم أنه قصد الإضرار ، رد ما زاد على الثلث ، واختلف فى رد الثلث على قولين. قاله ابن جزى. (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) ، أي : نوصيكم وصية ، أو غير مضار وصية من الله. قال ابن عباس : (الإضرار فى الوصية من الكبائر). (وَاللهُ عَلِيمٌ) بمصالح عباده ، يقسم المال على حسب المصلحة ، (حَلِيمٌ) لا يعاجل بالعقوبة من خالف حدوده.
الإشارة : اعلم أن الأخوة فى الشيخ كالأخوة فى النسب ، لأنهم يرضعون من ثدى واحدة ولبن واحد ، فإن مات أحدهم ، ورث أخوه المدد الذي كان يأخذه من شيخه ، وكذا إذا رجع ـ فإنه موت ـ فينقلب المدد إلى أخيه ، ومثاله كماء فرّق على قواديس ، فإذا انسدت إحدى القواديس رجع الماء إلى الأخرى ، فإن كانوا أكثر من واحد فهم شركاء فى ذلك المدد ، والله تعالى أعلم.
ثم حذّر الحق ـ تعالى ـ من مخالفة ما حدّ فى الوصايا والمواريث ، فقال :
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤))
قلت : توحيد الضمير فى (ندخله) (١) مراعاة للفظ (من). وجمع الحال فى (خالدين) مراعاة للمعنى. و (خالدين) و (خالدا) : حال مقدرة من ضمير (ندخله) ، كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، وليسا صفتين لجنات ونارا ، وإلا لوجب إبراز الضمير ؛ لأنهما جرتا على غير من هما له.
__________________
(١) قرأ نافع وابن عامر «ندخله» بالنون ، وقرأ الآخرون بالياء.