يمسكون المرأة ويسيئون عشرتها حتى تفتدى بصداقها) ، (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، كالنشوز وسوء العشرة وعدم العفة ، فيحل له حينئذ حبسها حتى تفتدى منه بصداقها ، فيأخذه خلعا على مذهب مالك. والله تعالى أعلم.
الإشارة : لا يحل للمريد أن يضيق على نفسه تضييقا يفضى إلى العطب ، فالنفس كالبهيمة : علفها واستخدامها ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : «لا يكن أحدكم كالمنبت ، لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».
فبعض الناس يسمعون أن من ضيّق على نفسه أورثته العلوم ، فيضيق عليها تضييقا فاحشا ليرث ذلك منها كرها ، وإنما يمنعها من شهواتها الزائدة على قيام البنية ، إلا أن تأتى بفاحشة مبينة ، بحيث تطغى عليها ، فيضيق عليها بما لا يفضى إلى الهلاك ، وهذا كله إنما ينفعه إذا صح ملكه لها بالعقد الصحيح من الشيخ الكامل ، وإلّا كان تعبه باطلا ، كمن يريد أن يرى امرأة غيره أو دابة غيره. والله تعالى أعلم.
ثم أمر الحق تعالى بحسن العشرة مع النساء ، فقال :
(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...)
يقول الحق جل جلاله : وعاشروا النساء (بِالْمَعْرُوفِ) بأن تلاطفوهن فى المقال وتجملوا معهن فى الفعال ، أو يتزيّن لها كما تتزين له. قال الورتجبي : كونوا فى معاشرتهن فى مقام الأنس وروح المحبة ، وفرح العشق حين أنتم مخصوصون بالتمكين والاستقامة والولاية ، فإن معاشرة النساء لا تليق إلا فى المستأنس بالله ، كالنبى صلىاللهعليهوسلم وجميع المستأنسين من الأولياء والأبدال ، حيث أخبر صلىاللهعليهوسلم عن كمال مقام أنسه بالله ورؤيته لجمال مشاهدته حيث قال : «حبّب إلىّ من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء ، وجعلت قرة عينى فى الصلاة.» (١) ثم قال : عن ذى النون : المستأنس بالله يستأنس بكل شىء مليح ووجه صبيح ، وبكل صوت طيب وبكل رائحة طيبة. ثم قال : عن ابن المبارك : العشرة الصحيحة : ما لا يورثك الندم عاجلا ولا آجلا ، وقال أبو حفص : المعاشرة بالمعروف : حسن الخلق مع العيال فيما ساءك. ه.
(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) فاصبروا (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) إما ولدا صالحا أو عاقبة حسنة فى الدين. قال ابن عمر : إن الرجل يستخير الله فيخار له فيسخط على ربه ، فلا يلبث أن ينظر فى العاقبة فإذا هو قد خير له. ه. حكى أن أبا الإمام مالك رضي الله عنه تزوج امرأة فدخل عليها فوجدها سوداء ، فبقى متفكرا
__________________
(١) الحديث أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وغيرهم : بدون لفظ : «ثلاث». وقال الحافظ ابن حجر. وليس فى شىء من طرقه لفظ «ثلاث». انظر : الفتح السماوي.