رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ، ونبه على وقوع الذنب بهم قهرا ، ثم تداركهم بالهداية والإنابة ، فضلا على علمه بتربيتهم وتدريجهم لمعرفته بالعلم والحكمة بقوله : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً). ه.
ثم شرع فى أحكام النكاح ، وبدأ بالعضل ؛ لأنه يتعذر معه العقد ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩))
قلت : أصل العضل : التضييق ، يقال : عضلت الدجاجة ببيضها إذا ضاقت ، ثم أطلق عرفا على منع المرأة من التزوج.
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لا يحل لكم أن تمنعوا النساء من النكاح لترثوا ما لهن (كَرْهاً). قال ابن عباس : كانوا فى الجاهلية إذا مات الرجل ، وله امرأة ، كان قريبه من عصبته أحق بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء تزوجها من غير صداق ، إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا ، وإن شاء عضلها وضيّق عليها لتفتدى منه بما ورثت من الميت ، أو تموت فيرثها ، وإن ذهبت إلى أهلها قبل أن يلقى ولىّ زوجها ثوبه عليها فهى أحق بنفسها. فكانوا على ذلك فى أول الإسلام ، حتى توفى أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ، وترك امرأته «كبشة بنت معن الأنصارية» ، فقام ابن له من غيرها فطرح ثوبه عليها ، ثم تركها ولم يقربها ، ولم ينفق عليها ، يضارّها لتفتدى منه ، فأتت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله ؛ إن أبا قيس توفى وورث نكاحى ابنه ، وقد أضرّ بي وطوّل علىّ ، فلا هو ينفق علىّ ولا يدخل بي ، ولا يخلى سبيلى ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوسلم : «اقعدى فى بيتك حتى يأتى فيك أمر الله». قالت : فانصرفت وسمعت بذلك النساء فى المدينة فأتين النبي صلىاللهعليهوسلم وهو فى مسجد الفضيخ ، فقلن : يا رسول الله : ما نحن إلا كهيئة كبشة ، غير أنه لا ينكحنا الأبناء ، ونكحنا أبناء العم ، فنزلت الآية. فمعنى الآية على هذا : لا يحل لكم أن تجعلوا النساء يورثن عن الرجال كما يورث المال.
وقيل : الخطاب للأزواج الذين يمسكون المرأة فى العصمة ليرثوا مالها ، من غير غبطة بها ، وإنما يمسكها انتظارا لموتها ، وقيل : الخطاب للأولياء الذين يمنعون ولياتهم من التزوج ليرثوهن دون الزوج.
(وَلا) يحل لكم أيضا أيها الأزواج أن (تَعْضُلُوهُنَ) ، أي : تحبسوهن ؛ من غير حاجة لكم فيهن ؛ (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) من الصداق افتداء فيه بإضراره. قال ابن عباس رضي الله عنه : (هى أيضا فى الأزواج الذين