العبد جميع ما أنعم الله عليه من السمع والبصر إلى ما خلق لأجله وأعطاه إياه. وانظر شرحنا الكبير للفاتحة فى النّسب التي بيناها نظما ونثرا.
و (الله) اسم مرتجل جامد ، والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف ، قال الواحدي : اسم تفرّد به الباري ـ سبحانه ـ يجرى فى وصفه مجرى الأسماء الأعلام ، لا يعرف له اشتقاق ، وقال الأقليشى : إن هذا الاسم مهما لم يكن مشتقا كان دليلا على عين الذات ، دون أن ينظر فيها إلى صفة من الصفات ، وليس باسم مشتق من صفة ، كالعالم والحق والخالق والرازق ، فالألف واللام على هذا فى (الله) من نفس الكلمة ، كالزاى من زيد ، وذهب إلى هذا جماعة ، واختاره الغزالي وقال : كل ما قيل فى اشتقاقه فهو تعسّف.
وقيل : مشتق من التّألّه وهو التعبد ، وقيل : من الولهان ، وهو الحيرة ؛ لتحيّر العقول فى شأنه. وقيل : أصله : الإله ، ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى اللام ، ثم وقع الإدغام وفخمت للتعظيم ، إلا إذا كان قبلها كسر.
و (رب) نعت (لله) ، وهو فى الأصل : مصدر بمعنى التربية ، وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ، ثم وصف به للمبالغة كالصوم والعدل.
وقيل : هو وصف من ربّه يربّه ، وأصله : ربب ثم أدغم ، سمى به المالك ؛ لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ، ولا يطلق على غيره تعالى إلا بقيد كقوله تعالى : (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ). قال ابن جزىّ : ومعانيه أربعة : الإله والسيد والمالك والمصلح ، وكلها تصلح فى رب العالمين ، إلا أن الأرجح فى معناه : الإله ؛ لاختصاصه بالله تعالى.
و (العالمين) جمع عالم ، والعالم : اسم لما يعلم به ، كالخاتم لما يختم به ، والطابع لما يطبع به. غلب فيما يعلم به الصانع. وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض ، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثّر واجب لذاته ، تدل على وجوده ، وإنما جمع ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلّب العقلاء منهم فجمع بالياء والنون كسائر أوصافهم ، فهو جمع ، لا اسم جمع ، خلافا لابن مالك.
وقيل : اسم وضع لذوى العلم من الملائكة والثقلين ، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع ، وقيل : عنى به هذا الناس ، فإن كل واحد منهم عالم ، حيث إنه يشتمل على نظائر ما فى العالم الكبير ، ولذا سوّى بين النظر فيهما فقال : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).