قلت : وإليه يشير قول الشاعر :
يا تائها فى مهمه عن سرّه |
|
انظر تجد فيك الوجود بأسره |
أنت الكمال طريقة وحقيقة |
|
يا جامعا سرّ الإله بأسره |
و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) اسمان بنيا للمبالغة ، من رحم ، كالغضبان من غضب ، والعليم من علم ، والرحمة فى اللغة : رقّة القلب ، وانعطاف يقتضى التفضل والإحسان ، ومنه الرّحم ؛ لانعطافها على ما فيها. وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات ، التي هى أفعال ، دون المبادئ التي هى انفعالات. و (الرحمن) أبلغ من (الرحيم) ؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، كقطّع وقطع ، وذلك إنما يؤخذ تارة باعتبار الكمية ، وأخرى باعتباره الكيفية.
فعلى الأول : قيل : يا رحمن الدنيا ؛ لأنه يعمّ المؤمن والكافر ، ورحيم الآخرة ؛ لأنه يختص بالمؤمن ، وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ؛ لأن النعم الأخروية كلها جسام ، وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.
وإنما قدّم (الرحمن) ـ والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى ـ لتقدّم رحمة الدنيا ، ولأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره ؛ لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ فى الرحمة غايتها ، وذلك لا يصدق على غيره تعالى. انظر البيضاوي. وسيأتى الكلام عليهما فى المعنى.
و (ملك) نعت لما قبله ، قراءة الجماعة بغير ألف من (الملك) بالضم ، وقرأ عاصم والكسائي بالألف ، من (الملك) بالكسر ، والتقدير على هذا : مالك مجئ يوم الدين ، أو مالك الأمر يوم الدين. وقراءة الجماعة أرجح ، لثلاثة أوجه : الأول : أن الملك أعظم من مالك ، إذ قد يوصف كل أحد بالمالك لماله ، وأما الملك فهو سيد الناس ، والثاني : قوله : (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) ، والثالث : أنها لا تقتضى حذفا ، والحذف خلاف الأصل (١).
و (يوم الدين) ظرف مضاف إلى ما قبله على طريق الاتساع ، وأجرى الظرف مجرى المفعول به ، والمعنى على الظرفية ، أي : الملك فى يوم الدين ، أو ملك الأمر يوم الدين ، فيكون فيه حذف. وقد رويت القراءتان ـ أي : القصر والمد ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) ينبغى ألا يكون ترجيح فى هذا المجال ، مع ورود القراءتين عن الرسول صلىاللهعليهوسلم والقراءتان ـ كما يقول الآلوسى ـ : فرسا رهان ، ومتى أردت الترجيح تعارضت الأدلة.