أي : لأنه محل مناجاته ، ومعدن معرفته ، وخزانة سره ، فليس للشيطان عليه من سبيل. قال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (١). وأما النفس فإنها مملوكة تباع وتشترى. ه.
ثم بيّن أوصاف البائعين ، فقال :
(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢))
قلت : (التائبون) : خبر ، أي : هم التائبون ، أو مبتدأ حذف خبره ، أي : التائبون فى الجنة وإن لم يجاهدوا ، لقوله تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (٢) ، أو خبره ما بعده ، أي : التائبون عن الكفر ، على الحقيقة ، هم الجامعون لهذه الخصال.
يقول الحق جل جلاله ، فى وصف البائعين أنفسهم وأموالهم : هم (التَّائِبُونَ) عن الكفر والمعاصي والهفوات والغفلات ، (الْعابِدُونَ) لله ، مخلصين له الدين ، (الْحامِدُونَ) الله فى السراء والضراء وعلى كل حال ، (السَّائِحُونَ) أي : الصائمون ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «سياحة أمتى الصوم» (٣) ، شبه بها من حيث إنه يعوق عن الشهوات ، أو لأنه رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على خفايا الملكوت والجبروت. أو السائحون للجهاد ، أو لطلب لعلم ، أو لزيارة المشايخ والإخوان.
(الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) فى الصلاة ، (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) أي : بكل ما هو معروف محمود ، كالإيمان والطاعة ، (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي : كل ما هو منكر فى الشرع ، كالكفر والمعاصي ، (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) أي : لكل ما حده الشارع وعينه من الحقائق والشرائع. قال البيضاوي : وعطف قوله : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) دون ما قبله ؛ للدلالة على أنه بما عطف عليه فى حكم خصلة واحدة ، كأنه قال : الجامعون بين الوصفين ، وعطف أيضا قوله : (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) ؛ للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل ، وهذا مجملها ، وقيل :
__________________
(١) من الآية ٦٥ من سورة الإسراء.
(٢) من الآية ٩٥ من سورة النساء.
(٣) أخرجه ابن جرير فى التفسير (١١ / ٣٥) موقوفا على السيدة عائشة ، بلفظ «سياحة هذه الأمة الصيام ، وأخرجه مرفوعا ، عن عبيد بن عمير ، بلفظ : (سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن السائحين فقال : «هم الصائمون»).