للإيذان بأن التعداد قد تم بالسابع ، من حيث إن السبعة هو العدد التام ، والثامن ابتداء لعدد آخر معطوف عليه ، ولذلك سمى واو الثمانية. ه. بالمعنى.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الموصوفين بهذه الفضائل ، ووضع المؤمنين موضع ضميرهم ؛ للتنبيه على أن إيمانهم دعاهم إلى ذلك ، وأن المؤمن الكامل من كان كذلك ، وحذف المبشر به ؛ للتعظيم ، كأنه قيل : وبشرهم بما يجل عن إحاطة الأفهام وتعبير الكلام. قاله البيضاوي.
الإشارة : قد جمعت هذه الآية معارج الترقي من البداية إلى النهاية ، فأول المقامات : التوبة ، فإذا تابت النفس ورجعت عن هواها قصدت السير إلى حضرة مولاها ، فاشتغلت بالعبادة الظاهرة ، التي هى عمل الشريعة ، فإذا ظهر عليها أمارات التوفيق ، ولاحت لها أنوار التحقيق ، حمدت الله وشكرته ؛ تقييدا لتلك النعمة ، ثم تسيح فكرتها فى ميادين الغيوب من الملكوت إلى الجبروت ، ثم ترد إلى مراسم الشريعة ، إذ منتهى الكمال : التزام الشرائع ، فتركع وتسجد البشرية ، أدبا فى عالم الأشباح ، ويركع القلب ويسجد فى مسجد الحضرة فى عالم الأرواح ، فحينئذ تصلح للوعظ والتذكير ، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر الظاهرين ؛ لأهل التشريع ، والباطنين ؛ لأهل التحقيق ، فالأول يسمى وعظا وتذكيرا ، والثاني يسمى تربية وترقية ، ولا يقبل ذلك إلا ممن وقف مع الحدود ، ووفى بالعهود ، فيبشر حينئذ بالسعادة العظمى والمقام الأسنى.
قال القشيري : قوله تعالى : (السَّائِحُونَ) أي : الصائمون ، ولكن عن شهود غير الله ، الممتنعون عن خدمة غير الله ، المكتفون من الله بالله. ويقال : السائحون الذين يسيحون فى الأرض على جهة الاعتبار ؛ طلبا للاستبصار ، ويسيحون بقلوبهم فى مشارق الأرض ومغاربها ؛ بالتفكّر فى جوانبها ومناكبها ، والاستدلال بتغيّرها على منشئها ، والتحقق بحكم خالقها بما يرون من الآيات التي فيها ، ويسيحون بأسرارهم فى الملكوت ، فيجدون روح الوصال ، ويعيشون بنسيم الأنس ؛ بالتحقيق بشهود الحق. انتهى.
وانظر الورتجبي ؛ فقد جعل وصف الإيمان يحمل على التوبة ، ثم التوبة الصادقة تستدعى العبادات والمجاهدات المؤدية للعبودية ، فإذا تمت له نعمة العبودية اقتضت حمد الله تعالى ، فيحمده تعالى معترفا بعجزه عن القيام بحمده ؛ كما فى حديث : «أنت كما أثنيت على نفسك» (١) ، ثم الحمد والذكر يقتضى حبس النفس عن مألوفاتها حين عاين حمى هلال جماله فى سماء الإيقان. ألا ترى كيف قال عليه الصلاة والسلام : «صوموا لرؤيته» ،
__________________
(١) أخرجه مسلم فى (الصلاة ، باب : ما يقال فى الركوع والسجود) من حديث السيدة عائشة ـ رضى الله عنها.