الحسنات خاص فى السيئات ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ما اجتنبت الكبائر» ، ثم قال : وروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الجمعة إلى الجمعة كفّارة ، والصّلوات الخمس ، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» (١) انظر تمامه فى الحاشية.
قال ابن جزى : روى أن رجلا قبّل امرأة ، [قلت : هو نبهان التمار] ، فذكر ذلك للنبى صلىاللهعليهوسلم وصلّى معه الصلاة ، فنزلت الآية ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «أين السائل؟» فقال : ها أنا ذا ، فقال : «قد غفر الله لك بصلاتك معنا». فقال الرجل : ألى خاصّة ، أو للمسلمين عامّة؟ فقال : «للمسلمين عامّة» (٢). والآية على هذا مدنية. وقيل : إن الآية كانت قبل ذلك ، وذكرها النبي صلىاللهعليهوسلم للرجل مستدلا بها. والآية على هذا مكية كسائر السورة ، وإنما تذهب الحسنات ـ عند الجمهور ـ الصغائر إذا اجتنبت الكبائر. ه. قلت : وقيل : تكفر مطلقا ؛ اجتنبت الكبائر أم لا ، وهو الظاهر ، لأنه إذا حصل اجتناب الكبائر كفرت بلا سبب ؛ لقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ....) (٣) الآية. وقوله عليه الصلاة والسلام : «ما اجتنبت الكبائر». معناه : أن الصلوات والجمعة مكفرة لما عدا الكبائر.
والحاصل : أن من اجتنب الكبائر كفرت عنه الصغائر بلا سبب ؛ لنص الآية. ومن ارتكب الكبائر والصغائر وصلى ، كفرت الصغائر دون الكبائر ، وبهذا تتفق الآية مع الحديث. والله تعالى أعلم.
قال ابن عطية فى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى ...) (٤) الآية : الشهادة ماحية لكل ذنب إلا لمظالم العباد. وقد روى : «أن الله يتحمل عن الشهيد مظالم العباد ، ويجازيهم عنه». ختم الله لنا بالحسنى. انتهى.
(ذلِكَ) أي : ما تقدم من وعظ ووعد ووعيد ، وأمر الاستقامة ، أو القرآن كله ، (ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) : عظة للمتقين. وخص الذاكرين ؛ لمزيد انتفاعهم بالوعظ ، لصقالة قلوبهم. وفى الخبر : «لكل شىء مصقلة ، ومصقلة القلوب ذكر الله». (وَاصْبِرْ) على مشاق الاستقامة ، ودوامها (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وهم : أهل الاستقامة ظاهرا وباطنا.
الإشارة : الاستقامة على ثلاثة أقسام : استقامة الجوارح ، واستقامة القلوب ، واستقامة الأرواح والأسرار. أما استقامة الجوارح فتحصل بكمال التقوى ، وتحقيق المتابعة للسنة المحمدية. وأما استقامة القلوب
__________________
(١) أخرجه مسلم فى : (الطهارة ، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة .. مكفرات) عن أبى هريرة رضى الله عنه.
(٢) أخرجه بنحوه البخاري فى (التفسير ، سورة هود) ومسلم فى (التوبة ، باب قوله : إن الحسنات يذهبن السيئات) من حديث ابن مسعود ـ رضى الله عنه. أما قول المفسر : [هو نبهان التمار) فقد جاء فى سياق آخر ، للثعلبى فى تفسيره ، وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح ٨ / ٢٠٧ : وهذا إن ثبت حمل على واقعة أخرى ، لما بين السياق من المغايرة.
(٣) من الآية : ٣١ من سورة النساء.
(٤) من الآية : ١١١ من سورة التوبة.