إذ مدار أمرها على التبسّط فى البلاد ، والتسلط على العباد ، والتصرف فى أقطار الأرض بأنواع العمارة ، وهم ضعفاء ملجأون إلى واد لا نفع فيه. قال البيضاوي.
(وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ؛ بالمعجزات الواضحات ، فلم يؤمنوا ؛ فأهلكوا ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) ؛ بأن دمرهم بلا سبب ، أو : من غير إعذار ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ؛ حيث ارتكبوا ما أدى إلى تدميرهم.
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) بالكفر والمعاصي (السُّواى) أي : العقوبة السوأى ، والأصل : ثم كان عاقبتهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم ، وهو إساءتهم. والمعنى : أنهم عوقبوا فى الدنيا بالدمار ، ثم كان عاقبتهم فى الآخرة العقوبة التي هى أسوأ العقوبات ، وهى النار التي أعدت للكافرين. لأجل (أَنْ كَذَّبُوا) أو : بأن كذّبوا (بِآياتِ اللهِ) الدالة على صدق رسله ، أو : على وحدانيته. (وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) ؛ حيث قابلوها بالتكذيب ، أو : غفلوا عن التفكر فيها. أو : ثم كان عاقبة الذين اقترفوا الخطيئة السّوآء أن طبع الله على قلوبهم ، حتى كذّبوا بالآيات ، واستهزءوا بها. أو : ثم كان عاقبة الذين فعلوا الفعلة السوأى ، وهو أن كذّبوا واستهزءوا ، أن يلحقهم ما تعجز عنه نطاق العبارة ، فخبر كان ، على هذا : محذوف ؛ للتهويل. و (أن كذبوا) : بيان ، أو : بدل من السوأى. والله تعالى أعلم.
الإشارة : السير إلى الله على أقسام : سير النفوس : بإقامة عبادة الجوارح ؛ لطلب الأجور ، وسير القلوب : بجولانها فى ميادين الأغيار ، للتبصر والاعتبار ؛ طلبا للحضور ، وسير الأرواح : بجولان الفكرة فى ميادين الأنوار ؛ طلبا لرفع الستور ودوام الحضور ، وسير الأسرار : الترقي فى أسرار الجبروت ، بعد التمكن من شهود أنوار الملكوت على سبيل الدوام. قال القشيري : سير النفوس فى أوطان الأرض ومناكبها لأداء العبادات ، وسير القلوب بجولان الفكر فى جميع المخلوقات ، وغايته : الظّفر بحقائق العلوم التي توجب ثلج الصدور ـ ثم تلك العلوم على درجات ـ وسير الأرواح فى ميادين الغيب : بنعت خرق سرادقات الملكوت. وقصاراه : الوصول إلى ساحل الشهود ، واستيلاء سلطان الحقيقة. وسير الأسرار : بالترقي ـ أي : الغيبة ـ عن الحدثان بأسرها ، والتحقق ، أولا ، بالصفات ، ثم بالخمود ، بالكلية ، عمّا سوى الحق. ه.
وقال فى قوله : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) : من زرع الشوك لم يحصد الورد ، ومن استنبت الحشيش لم يقطف البهار ، ومن سلك سبيل الغىّ لم يحلل بساحة الرشد. ه.
ثم ذكر شأن البعث الذي هو عاقبة المسيء والمحسن : فقال :
(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ