له حاجة إلى التوبة. وظاهر الآية : أن العصيان لا ينافى الإيمان ، فبادروا بالتوبة (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ؛ تفوزون بسعادة الدارين. وبالله التوفيق.
الإشارة : التوبة أساس الطريق ، ومنها السير إلى عين التحقيق ، فمن لا توبة له لا سير له ، كمن يبنى على غير أساس. والتوبة يحتاج إليها المبتدئ والمتوسط والمنتهى ، فتوبة المبتدئ من المعاصي والذنوب ، وتوبة السائر : من الغفلة ولوث العيوب ، وتوبة المنتهى : من النظر إلى سوى علام الغيوب.
قال ابن جزي : التوبة واجبة على كل مكلف ، بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة. وفرائضها ثلاثة : الندم على الذنب ؛ من حيث عصي به ذو الجلال ، لا من حيث أضر ببدن أو مال. والإقلاع عن الذنب فى أول أوقات الإمكان ، من غير تأخير ولا توان ، والعزم ألا يعود إليها أبدا. ومهما قضى الله عليه بالعود ، أحدث عزما مجدّدا.
وآدابها ثلاث : الاعتراف بالذنب ، مقرونا بالانكسار ، والإكثار من التضرع والاستغفار ، والإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من الأوزار. ومراتبها سبع : فتوبة الكفار من الكفر ، وتوبة المخلّطين من الذنوب الكبائر ، وتوبة العدول من الصغائر ، وتوبة العابدين من الفترات ، وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات ، وتوبة أهل الورع من الشبهات ، وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات. والبواعث على التوبة سبعة : خوف العقاب ، ورجاء الثواب ، والخجل من الحساب ، ومحبة الحبيب ، ومراقبة الرقيب ، وتعظيم المقام ، وشكر الإنعام. ه.
ثم أمر بالنكاح ؛ لأنه أغض للبصر ، فقال :
(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢))
قلت : الأيامى : جمع أيّم ، وأصله : أيايم ، فقلبت الياء ؛ لآخر الكلمة ، ثم قبلت ألفا ، فصارت أيامى. والأيم : من لا زوج له من الرجال والنساء.
يقول الحق جل جلاله : (وَأَنْكِحُوا) أي : زوّجوا (الْأَيامى مِنْكُمْ) أي : من لا زوج له من الرجال والنساء ، بكرا كان أو ثيبا. والمعنى : زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر. والخطاب للأولياء والحكام ، أمرهم بتزويج الأيامى ، فاقتضى ذلك النهى عن عضلهن. وفى الآية دليل عدم استقلال المرأة بالنكاح ، واشتراط الولي فيه ، وهو مذهب مالك والشافعي ، خلافا لأبى حنيفة.