قال بعضهم : إنما حجب الله عنها تلك العلوم ؛ غيرة أن تكشف سر الربوبية ؛ فيظهر لغير أهله ، قال القشيري : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) أي : أخلص قصدك إلى الله ، واحفظ عهدك معه ، وأفرد عملك ، فى سكناتك وحركاتك وجميع تصرفاتك ، له. (حَنِيفاً) أي : مستقيما فى دينه ، مائلا عن غيره ، معرضا عن سواه. والزم (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ، ثم ذكر ما تقدم لنا. ثم قال : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ؛ راجعين إلى الله بالكلية ، من غير أن تبقى بقية ، متصفين بوفائه ، منحرفين بكل وجه عن خلافه ، متّقين صغير الإثم وكبيره ، وقليله وكثيره ، مقيمين الصلاة بأركانها وسننها وآدابها ؛ جهرا ، متحققين بمرعاة فضلها ؛ سرا.
وقال فى قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) : أقاموا فى دنياهم فى دار الغفلة ، وعناد الجهل والفترة ، فركنوا إلى ظنونهم ، واستوطنوا مركب أوهامهم ، وثملوا بسكر غيّهم ، وظنوا أنهم على شىء ، فإذا انكشف ضباب وقتهم ، وانقشع سحاب هجرهم ، انقلب فرحهم ترحا ، واستيقنوا أنهم كانوا فى ضلالة ، ولم يعرّجوا إلا فى أوطان الجهالة. ه.
ثم ذكر حال أهل الغفلة ، فقال :
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦))
قلت : (إذا هم) : جواب (إن). و (إذا) ؛ الفجائية ، تخلّف الفاء ، لتآخيهما فى التعقيب.
يقول الحق جل جلاله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) ؛ كمرض ، وفقر ، وشدة ، أو غير ذلك ، (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ) ؛ راجعين (إِلَيْهِ) من دعاء غيره. (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) ؛ خلاصا من الشدة (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) شركا جليا أو خفيا ، أي : فاجأ بعضهم الإشراك بربهم الذي عافاهم ، (لِيَكْفُرُوا) ؛ إما : لام كى ، أو : لام الأمر ؛ للوعيد والتهديد ، أي : أشركوا كى يكفروا (بِما آتَيْناهُمْ) من النعم ، التي من جملتها : نجاتهم وخلاصهم من كل شدة ، (فَتَمَتَّعُوا) بكفركم قليلا ؛ أمر تهديد ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال تمتعكم.