(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩))
يقول الحق جل جلاله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي : يضيق على من يشاء ، فينبغى للعبد أن يكون راجيا ما عند الله ، غير آيس من روح الله ؛ إذ دوام حال من قضايا المحال ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ؛ فيستدلون بها على كمال قدرته وحكمته ، ولا يقفون مع شىء دونه. قال النسفي : أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه القابض الباسط ، فما لهم يقنطون من رحمته؟ وما لهم لا يرجعون إليه ، تائبين من معاصيهم ، التي عوقبوا بالشدّة من أجلها ، حتى يعيد عليهم رحمته؟
ولما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم ، أتبعه ذكر ما يحب أن يفعل وما يجب أن يترك ، يعنى : عند البسط ؛ فقال : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى) ؛ أعط قريبك (حَقَّهُ) من البر والصلة مما بسط عليك. (وَ) أعط (الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) حقهما ؛ من الصدقة الواجبة أو التطوعية ، حسبما تقتضيه مكارم الأخلاق. والخطاب لمن بسط عليه ، أو : للنبى ـ عليه الصلاة والسلام ، وغيره تبع. (ذلِكَ) أي : إيتاء حقوقهم الواجبة ، والتطوعية ، (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي : ذاته المقدسة ، أي : يقصدون ، بمعروفهم ، إياه ، خالصا. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ؛ الفائزون بكل خير ، قد حصّلوا ، بما بسط لهم ، النعيم المقيم.
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) أي : وما أعطيتم من مال ؛ لتأخذوا من أموال الناس أكثر منه ، كيفيّة أو كمّيّة ، (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) ؛ ولا يبارك فيه ، بل يسحته ويمحقه ، ولو بعد حين. وهذه صورة الربا المحرمة ؛ إجماعا ، وقيل : وما أعطيتم من هدية ؛ لتأخذوا أكثر منها ، فلا يربو عند الله ، لأنكم لم تقصدوا به وجه الله. وهذه ؛ هدية الثواب ، جائزة ، إلا فى حقه ـ عليه الصلاة والسلام ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (١). وقرأ ابن كثير : «أتيتم» ؛ بالقصر ، بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. وقرأ نافع (٣) : «لتربوا» بالخطاب ، أي : لتصيروا [ذوى] (٢) ربا ، فتزيدوا فى أموالكم.
__________________
(١) الآية ٦ من سورة المدثر.
(٢) فى الأصول [ذا].
(٣) وكذا قرأ أبو جعفر ويعقوب. وقرأ الباقون بياء الغيب وفتحها. انظر الإتحاف (٢ / ٣٥٧).