يُمِيتُكُمْ) بسقوط شهواتكم ، ويميتكم عن شواهدكم ، (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بحياة قلوبكم ، ثم بأن يحييكم بربكم. ويقال : من الأرزاق ما هو وجود الأرفاق ، ومنها ما هو شهود الرزاق. ويقال : لا مكنة لك فى تبديل خلقك ، فكذلك لا قدرة لك على تغيير رزقك. فالموسّع عليه : رزقه بفضل ربه ، لا [بمناقب] (١) نفسه. والمقترّ عليه رزقه بحكم ربه ، لا بمعايب نفسه. ه. وبعضه بالمعنى.
وقد يضيق رزقه على العباد ؛ لما يظهر فيهم من الفساد ، كما قال تعالى :
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢))
يقول الحق جل جلاله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، أما الفساد فى البر ؛ فالقحط ، وقلة الأمطار ، وعدم الريع فى الزراعات والربح فى التجارات ، ووقوع الموتان فى الناس والدوابّ ، ومحق البركات من كل شىء.
وأما فى البحر ؛ فبكثرة الغرق ، وانقطاع صيده. (بِما) ؛ وذلك بسبب ما (كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) من الكفر والمعاصي ، ولو استقاموا على الطاعة لدفع الله عنهم هذه الآفات. أظهر فيهم ذلك (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي : ليذيقهم وبال بعض أعمالهم فى الدنيا ، قبل أن يعاقبهم بجميعها فى الآخرة ، عن «قنبل ويعقوب» : بنون التكلم. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عما هم عليه من المعاصي.
(قُلْ) لكفار قومك : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) ؛ لتعاينوا ما فعلنا بهم بسبب كفرهم ومعاصيهم ؛ لأنه (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) ؛ فدمرناهم ، وخربنا ديارهم ، فانظروا : كيف كان عاقبتهم ، لعلكم ترجعون عن غيكم.
الإشارة : قال القشيري : الإشارة فى البر إلى النّفس ، وفى البحر إلى القلب ، وفساد البرّ بأكل الحرام وارتكاب المحظورات ، وفساد البحر من الغفلة والأوصاف الذميمة ، مثل سوء العزم ، والحسد والحقد ، وإرادة الفسوق ، وغير ذلك. وعقد الإصرار على المخالفات من أعظم فساد القلب ، كما أنّ العزم على الخيرات ، قبل فعلها ، من أعظم الخيرات. ومن جملة الفساد : التأويلات بغير حقّ ، والانحطاط إلى الرّخص من غير قيام بحق ، والإغراق فى الدعاوى من غير استحياء. ه.
__________________
(١) فى الأصول [بمثاقبة] والمثبت من القشيري