(وَمَنْ يُكْرِهْهُنَ) ؛ على ما ذكر من البغاء ، (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ) لهن (رَحِيمٌ) بهن ، وفى مصحف ابن مسعود كذلك. وكان الحسن يقول : لهن والله. وقيل : للسيد إذا تاب. واحتياجهن إلى المغفرة المنبئة عن سابقة الإثم : إما باعتبار أنهن ـ وإن كن مكرهات ـ لا يخلون فى تضاعيف الزنا من شائبة مطاوعة ما ، بحكم الجبلّة البشرية ، وإما لغاية تهويل أمر الزنا ، وحث المكرهات على التثبت فى التجافي عنه ، والتشديد فى تحذير المكرهين ببيان أنهن حيث كنّ عرضة للعقوبة ، لو لا أن تداركهن المغفرة ، الرحمة ، مع قيام العذر فى حقهن ، فما بالك بحال من يكرههن فى استحقاق العقاب؟
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) ؛ موضّحات ، أو : واضحات المعنى ، والمراد : الآيات التي بينت فى هذه السورة ، وأوضحت معانى الأحكام والحدود. وهو كلام مستأنف جىء به فى تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة ؛ لبيان جلالة شأنها ، المقتضى للإقبال الكلى على العمل بمضمونها. وصدر بالقسم الذي تعرب عنه اللام ؛ لإبراز كمال العناية بشأنها. أي : والله ، لقد أنزلنا إليكم ، فى هذه السورة الكريمة ، آيات مبينات لكل ما لكم حاجة إلى بيانه ؛ من الحدود وسائر الأحكام ، وإسناد البيان إليها : مجازى ، أو : آيات واضحات تصدقها الكتب القدسية والعقول السليمة ، على أن «مبيّنات» من بيّن ، بمعنى تبين ، كقولهم فى المثل : «قد بيّن الصبح لذى عينين» أي : تبين. ومن قرأها بالبناء للمفعول ، فمعناه : قد بيّن الله فيها الأحكام والحدود.
(وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : وأنزلنا مثلا من أمثال من قبلكم ، من القصص العجيبة ، والأمثال المضروبة لهم فى الكتب السابقة ، والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء والحكماء ، فتنتظم قصة عائشة ـ رضي الله عنها ـ المحاكية لقصة يوسف عليهالسلام وقصة مريم ، وسائر الأمثال الواردة فى السورة الكريمة ، انتظاما واضحا. وتخصيص الآيات البينات بالسوابق ، وحمل المثل على قصة عائشة المحاكية لقصة يوسف ومريم ، يأباه تعقيب الكلام بما سيأتى من التمثيلات.
(وَ) أنزلنا (مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) يتعظون بها ، وينزجرون عما لا ينبغى من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخل بمحاسن الآداب ، والمراد : ما وعظ به من الآيات والمثل ، مثل قوله : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (١) ، و (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ..) (٢) إلخ ، (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) (٣).
وتخصيص المتقين ؛ لأنهم المنتفعون بها ، المغتنمون لآثارها ، المقتبسون لأنوارها ، ومدار العطف هو التّغاير العنواني المنزّل منزلة التغاير الذاتي. وقد خصّت الآيات بما بيّن الأحكام والحدود ، والموعظة بما وعظ به من
__________________
(١) الآية : ٢ من سورة النور.
(٢) الآية : ١٢ من سورة النور.
(٣) الآية : ١٧ من سورة النور.