وكثيرا ما كنت احدّث نفسي في تأليف مختصر منتخب من «منتقى جمانه» ، وجمع ملخّص ملتقط من «جواهر كنز عرفانه» ويعوّقني عنه قصر الباع عن تناول هذا المرام ، وقصور الاستعداد عن بلوغ ذلك المقام ، فقلت لنفسي : لا تقنطي من فيض الكريم ، وثقي بفضل جوده العميم.
فشرعت فيه مع توزّع البال ، وعروض الشواغل من سفر وغيره من الأشغال ، سالكا فيه طريق الإيجاز في التعبير ، مشيرا إلى أكثر الأقوال المحتملة من وجوه التفسير ، منبّها على قليل من النّكت إذ لا يحيط بكلّها حساب معربا عمّا يتوقف عليه فهم المعنى من وجوه الإعراب ، مقتصرا على ذكر «القراءات السّبع» المشهورة (١) وربّما ذكرت غيرها (٢) في مواضع يسيرة ، جاريا في عدّ الآيات على المشهور من إغفال البسملة ، خوفا من مخالفة المسطور في المصاحف الشّريفة المبجّلة ، وإن كان الإعتقاد : أنّها آية من كلّ سورة إلّا التّوبة ، لأخبار صحيحة (٣) من المتواترات محسوبة ، وإذ قد وفّق الله بلطفه للإتمام ، على ما ذكرت من التأليف والنّظام ، ناسب أن يسمى ب :
«الوجيز في تفسير القرآن العزيز»
ثمّ إني أسأل الله تعالى أن يجعله وسيلة الى عفوه وغفرانه ، وذريعة الى الفوز بثوابه ورضوانه ، وأن ينفع به الطالبين ، ويهدي به المسترشدين ، بمحمّد وآله الأكرمين صلّى الله عليهم أجمعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________________
(١) القراء السبعة هم : نافع ـ المدني ـ وابن كثير ـ المكي ـ ويطلق عليهما : الحرميان ، أحيانا ـ وابو عمرو ـ البصري ـ ، وعبد الله بن عامر ـ الدمشقي ـ وعاصم ـ الكوفي ـ وحمزة ـ الكوفي ـ والكسائي ـ كما في حجة القراءات : ٥١ ـ.
(٢) هناك قرّاء لم يشتهروا كاشتهار السبعة منهم : يزيد بن القعقاع ، ويعقوب بن إسحاق والبزاز وغيرهم.
(٣) الأحاديث في هذا المضمار كثيرة جدا ، انظر جامع أحاديث الشيعة ٥ : ١١٤.