هذا الكتاب باحتوائه على كثرة النقل عن اصحاب المذاهب وحكاية عين اقوالهم بدون تحريف كالكنز الدفين الّذي حوفظ فيه على الدنانير والدراهم التى كانت تتداول فى ايدى الناس ثم انقطع رواجها ونسيت وربّ سكّة خرجت من هذا المعدن الغنىّ يلمع وجهها كأنّها سبيكة امس ، وهذا مما ينبغي ان يغتبط به من نظر الى تاريخ الكلام بنظر المؤرّخ المنصف لانه لم يصل إلينا من مقالات اوائل الفرق الاسلامية الا شيء قليل جدًّا وهذا القليل أيضا ربما غيّر عن اصله وصرف عن وجهه بتعصّب الناقلين ، ومما يؤكّد صحّة رواية الاشعرى لمقالات المعتزلة وغيرها وصدقه فى الحكاية انك اذا قابلت ما رواه هو من اقوالهم بما حكاه ابو الحسين الخيّاط منها فى كتاب الانتصار الّذي نشر اخيرا بعناية الاستاذ الفاضل نيبرج وجدت الحكايتين متّفقتين والروايتين متطابقتين فى اكثر المواضع على ان الخيّاط كان معتزليّا والاشعرى رئيس متكلّمى اهل السنة ولا يتصوّر دليل على صحّة الرواية اقطع من اتفاق الخصمين فيها ، الا ان الاشعرى اكتفى بنقل اقوالهم كما هى ولم يلتفت الى تحقيق العلل التى ادت بهم الى ادعاء ما ادّعوا كما فعل الخيّاط فى كتابه الّذي الّفه للردّ على مطاعن ابن الراوندى فى المعتزلة والدفاع عنهم وبعد فالاشعرى انما ادرك المتأخّرين من المعتزلة وغيرهم من اهل المذاهب فاضطرّ فى نقل بعض ما ينقله عن اوائلهم