ما هي بنجدية ، ولا تهامية ، ولا غربية ، ولا شرقية ، ولا يمانية ، ولا شامية ، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة. قال : ما قدرها؟ قال : أشباه اليعاسيب فى مناقيرها الحصى «كأنها (١)» حصى الخذف قد أقلبت ، وهي طيرا أبابيل (٢) يتبع بعضها بعضا أمام كل «رفقه (٣)» منها طائر يقودها أحمر المنقار ، أسود الرأس ، طويل العنق ، حتى إذا جازت بعسكر القوم ركدن فوق رءوسهم فلما توافتها «الرعال كلها (٤)» هالت الطير ما فى مناقيرها من الحجارة على من تحتها ، يقال إنه كان مكتوبا على كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها عادت راجعة من حيث جاءت. فقال أبو مسعود : لأمر ما هو كائن ، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل إلى الأرض فمشيا ربوة أو ربوتين فلم يؤنسا أحدا ، ثم دنوا فمشيا ربوة أو ربوتين أيضا ، فلم يسمعا همسا. فقالا : عند ذلك بات القوم سامدين فأصبحوا نياما لا يسمع لهم ركزا ، وكانا قبل ذلك يسمعان صياحهم ، وجلبة فى أسواقهم ، فلما دنيا من عسكرهم ، فإذا هم خامدون ، يقع الحجر فى بيضة الرجل فيخرقها حتى يقع فى دماغه ، ويخرق الفيل والدابة حتى يغيب فى الأرض من شدة وقعه فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فئوسهم فخفر حتى عمق فى الأرض وملأه من الذهب الأحمر والجوهر الجيد ، وحفر أيضا لصاحبه فملأه من الذهب والجوهر ، ثم قال لأبى مسعود : هات خاتمك ، واختر أيهما شئت ، خذ إن شئت حفرتي ، وإن شئت حفرتك ، وإن شئت فهما لك ، فقال أبو مسعود : اختر لي. فقال عبد المطلب : إنى لم أعل أجود المتاع فى حفرتي
__________________
(١) «كأنها» كذا فى أ ، ف ، ل : والأنسب «كأنه».
(٢) أى جماعات متتابعة.
(٣) «رفقة» : فى ف : «رقة» ، وفى أ : «رفقة» ، والمعنى جماعة مترافقة.
(٤) «الرعال» : كذا فى أ ، ف ، ل : والمعنى فلما تجمعت الطير فوق رءوس الرجال ولعل الرعال محرفة عن الرجال.