التّفسير
هذه الآية وطبقاً لسبب النزول المذكور أعلاه بمثابة جواب عن سؤال آخر حول الزواج مع المشركين فتقول : (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ). ثم تضيف مقايسة وجدانيّة فتقول : (وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ).
لأنّ الهدف من الزواج ليس هو اللّذة الجنسية فقط ، فالمرأة شريكة عمر الإنسان ومربية لأطفاله وتشكّل قسماً مهماً من شخصيته ، فعلى هذا الأساس كيف يصحّ استقبال الشرك وعواقبه المشؤومة لاقترانه بجمال ظاهري ومقدار من الأموال والثروة.
ثم إنّ الآية الشريفة تقرّر حكماً آخر وتقول : (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ).
وبهذا الترتيب منع الإسلام من زواج المرأة المؤمنة مع الرجل المشرك كما منع نكاح الرجل المؤمن من المرأة المشركة حتى أنّ الآية رجّحت العبد المؤمن أيضاً على الرجال المشركين من أصحاب النفوذ والثروة والجمال الظاهري ، لأنّ هذا المورد أهم بكثير من المورد الأوّل وأكثر خطورة ، فتأثير الزوج على الزوجة أكثر عادةً من تأثير الزوجة على زوجها.
وفي ختام الآية تذكر دليل هذا الحكم الإلهي لزيادة التفكر والتدبر في الأحكام وتقول : (أُوَلئِكَ [أي المشركين] يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ).
ثم تضيف الآية : (وَيُبَيّنُءَايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
أشار في «تفسير في ظلال القرآن» إلى نكتة ظريفة ، وهي أنّ هذه الآية و (٢١) آية اخرى تأتي بعدها تُبيّن الأحكام المتعلقة بتشكيل الاسرة في أبعادها المختلفة ، وفي هذه الآيات بيّن القرآن الكريم اثني عشر حكماً شرعياً :
١ ـ يتضمن النهي عن زواج المسلم بمشركة ، ٢ ـ يتعلق بالنهي عن مباشرة النساء في المحيض ، ٣ ـ حكم الأيمان بصفة عامة ـ تمهيداً للحديث عن الإيلاء والطلاق ـ ويربط حكم الأيمان بالله وتقواه ، ٤ ـ حكم الإيلاء ويتبعه حكم الطلاق ، ٥ ـ حكم عدّة المطلّقة ، ٦ ـ حكم عدد الطلقات ، ٧ ـ حكم الإمساك بمعروف أو تسريح باحسان بعد الطلاق ، ٨ ـ حكم الرضاعة والاسترضاع والأجر ، ٩ ـ الحكم بعدّة المتوفى عنها زوجها ، ١٠ ـ حكم التعريض بخطبة النساء في أثناء العدّة ، ١١ ـ حكم المطلّقة قبل الدخول في حالة ما إذا فرض لها مهر وفي