علائم الإيمان وطريقه : لقد شرعت سورة البقرة ببيان بعض المعارف الإسلامية والاعتقادات الحقّة واختتمت بهذه المواضيع أيضاً كما في الآية أعلاه والآية التي بعدها ، وبهذا تكون بدايتها ونهايتها متوافقة ومنسجمة.
وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير بحر المحيط في سبب نزول هذه الآية أنّه لما نزل (وَإِن تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمْ) الآية ، أشفقوا منها ما تقرر الأمر على أن قالوا سمعنا وأطعنا فرجعوا إلى التضرع والاستكانة فمدحهم الله وأثنى عليهم وقدّم ذلك بين يدى رفقه بهم وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر وهذه ثمرة الطاعة والإنقطاع إلى الله تعالى كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والجلاء إذ قالوا سمعنا وعصينا وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله أعاذنا الله تعالى من نقمه.
في البداية تقول : (ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ). فهذا المعنى وهذه الخصيصة تعتبر من إمتيازات الأنبياء الإلهيين جميعاً بأنّهم مؤمنون بما جاءوا به إيماناً قاطعاً ، فلا شك ولا شبهة في قلوبهم عن معتقداتهم ، فقد آمنوا بها قبل الآخرين واستقاموا وصبروا عليها قبل الآخرين.
ثم تضيف الآية الكريمة : (وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّءَامَنَ بِاللهِ وَمَلِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَانُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ). وهذه الجملة الأخيرة من كلام المؤمنين أنفسهم ، حيث يؤمنون بجميع الأنبياء والمرسلين وشرائعهم.
ثم تضيف الآية أنّ المؤمنين مضافاً إلى إيمانهم الراسخ والجامع فإنّهم في مقام العمل أيضاً كذلك : (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
وبهذا يتناغم الإيمان بالمبدأ والمعاد مع الالتزام العملي بجميع الأحكام الشرعية والدساتير الإلهية.
* * *