الفناء»؟ قالوا : بلى. قال : «ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّم على كل شيء ويحفظه ويرزقه»؟ قالوا : بلى. قال : «فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً»؟ قالوا : لا. قال : «ألستم تعلمون أنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء»؟ قالوا : بلى. قال : «فهل يعلم عيسى من ذلك إلّاما علم»؟ قالوا : لا. قال : «فإنّ ربّنا صَوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يُحدث». قالوا : بلى. قال : «ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته امّه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غُذِي كما يُغذى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث»؟ قالوا : بلى. قال : «فكيف يكون هذا كما زعمتم»؟ فسكتوا ، فأنزل الله فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية.
التّفسير
فيما يتعلق بالحروف المقطعة في القرآن ، سبق الحديث عنها في بداية سورة البقرة فلا موجب لتكرار ذلك. في الآية الثانية يقول تعالى : (اللهُ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ).
سبق أنّ شرحنا هذه الآية في الآية (٢٥٥) من سورة البقرة.
الآية التي تليها تخاطب نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله وتقول : إنّ الله تعالى قد أنزل عليك القرآن الذي فيه دلائل الحق والحقيقة ، وهو يتطابق تماماً مع ما جاء به الأنبياء والكتب السابقة (التوراة والإنجيل) التي بشّرت به وقد أنزلها الله تعالى أيضاً لهداية البشر : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَيةَ وَالْإِنجِيلَ) (١).
ثم تضيف الآية : (مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ).
وبعد إتمام الحجة بنزول الآيات الكريمة من الله تعالى وشهادة الفطرة والعقل على صدق دعوة الأنبياء ، فلا سبيل للمخالفين سوى العقوبة ، ولذلك تقول الآية محل البحث بعد ذكر حقانية الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله والقرآن المجيد : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَايَاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ).
ومن أجل أن لا يتوهّم أحد أو يشك في قدرة الله تعالى على تنفيذ تهديداته تضيف الآية : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ).
«عزيز» : في اللغة بمعنى كل شيء صعب وغير قابل للنفوذ ، ولذلك يقال للأرض الصعبة العبور (عزاز) وكذلك يطلق على كل أمر يصعب الحصول عليه لقلّته وندرته (عزيز) وكذلك تطلق هذه الكلمة على الشخص القوي والمقتدر الذي يصعب التغلّب عليه أو
__________________
(١) «الحق» : هو الموضوع الثابت المكين الذي لا باطل فيه.