المجموعة الثالثة تضر بالإسلام ـ دون شك ـ أكثر من المجموعة الثانية ، ولذلك فإنّ القرآن يقابلهم بشدة أكثر كما سنرى.
الآيات المذكورة تدور حول المجموعة الاولى ، وتطرح خصائصهم في خمسة عناوين هي :
١ ـ الإيمان بالغيب : «الغيب والشهود» نقطتان متقابلتان ، عالم الشهود هو عالم المحسوسات ، وعالم الغيب هو ما وراء الحس. لأنّ «الغيب» في الأصل يعني ما بطن وخفي ، وقيل عن عالم ماوراء المحسوسات «غيب» لخفائه عن حواسنا.
الإيمان بالغيب هو بالضبط النقطة الفاصلة الاولى بين المؤمنين بالأديان السماوية ، وبين منكري الخالق والوحي والقيامة ، ومن هنا كان الإيمان بالغيب أوّل سمة ذكرت للمتقين.
«المؤمنين بالغيب» يعتقدون أنّ خالق عالم الوجود غير متناه في العلم والقدرة والإدراك ، وأنّه أزلي وأبدي.
وأنّ الموت ليس بمعنى العدم والفناء ، بل هو نافذة تطل على عالم أوسع وأكبر.
بينما الإنسان المادي يعتقد أنّ عالم الوجود محدود بما نلمسه ونراه ، وأنّ العالم وليد مجموعة من القوانين الطبيعية العمياء الخالية من أي هدف أو تخطيط أو عقل أو شعور ، والإنسان جزء من الطبيعة ينتهي وجوده بموته.
ما أكبر الهوّة التي تفصل بين هاتين الرؤيتين للكون والحياة.
الرؤية الاولى تربّي صاحبها على أن ينشد الحق والعدل والخير ومساعدة الآخرين ، والثانية ، لا تقدم لصاحبها أي مبرر على ممارسة الامور.
من هنا يسود في حياة المؤمنين الحقيقيين التفاهم والإخاء والطهر والتعاون ، بينما تهيمن على حياة الماديين روح الاستعمار والاستغلال وسفك الدماء والنهب والسلب ، وهذه الرؤية المادية تقمصت في عصرنا الصفات العلمية والتقدمية والتطورية. ولهذا السبب نرى القرآن يتخذ من «الإيمان بالغيب» نقطة البداية في التقوى.
٢ ـ الإرتباط بالله : الصفة الاخرى للمتقين هي أنّهم : (يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ).
«الصّلاة» باعتبارها رمز الإرتباط بالله ، تجعل المؤمنين المنفتحين على عالم ماوراء الطبيعة على إرتباط دائم بالخالق العظيم ، فهم لا يحنون رؤوسهم إلّاأمام الله ، ولا يستسلمون إلّالربّ السماوات والأرض.