فالنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله مثلاً ـ بالإضافة إلى أنّ المعجزات والدلائل الواضحة في نصوص دينه تؤكد صدقه ـ وردت أوصافه وعلاماته في الكتب السماوية السابقة التي بقي قسم منها في أيدي اليهود والنصارى ، ولذلك بشّر علماؤهم بظهوره قبل ظهوره ، ولكنهم بعد أن بُعث رأوا مصالحهم في خطر ، فأنكروا كل ذلك ، يحدوهم الظلم والحسد والطغيان.
(وَمَنْ يَكْفُرْ بَايَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
هذا بيان لمصير أمثال هؤلاء الذين لا يعترفون بآيات الله ، إنّهم سوف يتلقّون نتائج عملهم هذا ، فالله سريع في تدقيق حساباتهم.
المراد من «آيات الله» في هذه الآية ما يشمل جميع آياته وبراهينه وكتبه السماوية ، ولعلها تشمل أيضاً الآيات التكوينية في عالم الوجود.
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠)
«المحاجّة» : أن يسعى كل واحد في ردّ الآخر عن حجّته ومحجّته دفاعاً عن عقيدته.
من الطبيعي أن يقوم أتباع كل دين بالدفاع عن دينهم ، ويرون أنّ الحق بجانبهم ، لذلك يخاطب القرآن رسول الله صلىاللهعليهوآله قائلاً : قد يحاورك أهل الكتاب (اليهود والنصارى ...) فيقولون إنّهم قد أسلموا بمعنى أنّهم قد استسلموا للحق ، وربّما هم يصرّون على ذلك ، كما فعل مسيحيّو نجران مع رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فالآية لا تطلب من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يتجنّب محاورتهم ومحاججتهم ، بل تأمره أن يسلك سبيلاً آخر وذلك عندما يبلغ الحوار منتهاه فعليه لكي يهديهم ويقطع الجدل والخصام أن يقول لهم : إنّني وأتباعي قد أسلمنا لله واتّبعنا الحق (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ).
ثم يسأل أهل الكتاب والمشركين إن كانوا هم أيضاً قد أسلموا لله واتّبعوا الحق فعليهم أن يخضعوا للمنطق : (وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمّيّينَءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا). فإذا لم يستسلموا للحقيقة المعروضة أمامهم ، فإنّهم لا يكونون قد أسلموا لله. عندئذ لا تمضي