في مجادلتهم ، لأنّ الكلام في هذه الحالة لا تأثير له وما عليك إلّاأن تبلّغ الرسالة لا غير : «وَّإِن (تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلغُ). ومن الواضح أنّ المراد ليس هو التسليم اللّساني والادعائي ، بل التسليم الحقيقي والعملي في مقابل الحق.
وفي الختام يقول : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ). فهو سبحانه يعلم المدعي من الصادق وكذلك اغراض ودوافع المتحاجّين ، ويرى أعمالهم الحسنة والقبيحة ويجازي كل شخص بعمله.
يتّضح من هذه الآية بكل جلاء أنّ اسلوب رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يكن اسلوب فرض الفكرة والعقيدة ، بل كان اسلوبه السعي إلى توضيح الحقائق أمام الناس ثم يتركهم وشأنهم لكي يتخذوا قرارهم في اتّباع الحق بأنفسهم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (٢٢)
تعقيباً للآية السابقة التي تضمّنت أنّ اليهود والنصارى والمشركين كانوا يجادلون رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا يستسلمون للحق ، ففي الآية الاولى إشارة إلى بعض علامات هذا الأمر حيث تقول الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بَايَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ).
وتشير هذه الآية في البداية إلى ثلاث ذنوب كبيرة وهي الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء بغير الحق وقتل الذين يدعون إلى العدالة ويدافعون عن أهداف الأنبياء ، وكل واحد من هذه الذنوب يكفي لوحده لجعل الإنسان معانداً ومتصلّباً بكفره وعدم تسليمه للحق ، بل يسعى لخنق كل صوت يدعو إلى الحق.
ثم إنّ الآية تشير إلى ثلاثة عقوبات مترتّبة على إرتكاب هذه الذنوب ، ففي البداية تشير الآية : (فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
ثم تقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ) فلو فرض أنّهم عملوا بعض الأعمال الصالحة فإنّها ستمحى وتزول بسبب الذنوب الكبيرة التي يرتكبونها.