التّفسير
هذه الآيات تصرّح ببعض تحريفات أهل الكتاب الذين كانوا يتوسّلون بالتبريرات والأسباب الواهية لتفادي إجراء حدود الله ، مع أنّ كتابهم كان صريحاً في بيان حكم الله بغير إبهام ، وقد دُعوا للخضوع للحكم الموجود في كتابهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ).
ولكن عصيانهم كان ظاهراً ومصحوباً بالإعراض والطغيان واتخاذ موقف المعارض لأحكام الله : (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ).
يمكن الاستنتاج من (أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) أنّ ما كان بين أيدي اليهود والنصارى من التوراة والإنجيل لم يكن كاملاً ، بل كان قسم منهما بين أيديهم ، بينما كان القسم الأعظم من هذين الكتابين السماويين قد ضاع أو حُرّف.
وفي الآية الثانية شرح سبب عصيانهم وتمرّدهم ، وهو أنّهم كانوا يحملون فكرة خاطئة عن كونهم من عنصر ممتاز ، وهم اليوم أيضاً يحملون هذه الفكرة الباطلة الواضحة في كتاباتهم الدالة على الاستعلاء العنصري.
كانوا يظنّون أنّ لهم علاقة خاصة بالله سبحانه ، حتى أنّهم سمّوا أنفسهم «أبناء الله» كما ينقل القرآن ذلك على لسان اليهود والنصارى في الآية (١٨) من سورة المائدة قولهم : (نَحْنُ أَبْنؤُا اللهِ وَأَحِبؤُهُ). وبناءاً على ذلك كانوا يرون لأنفسهم حصانة تجاه العقوبات الربانية ، وكانوا ينسبون ذلك إلى الله نفسه. لذلك كانوا يعتقدون أنّهم لن يعاقَبوا على ذنوبهم يوم القيامة إلّالأيّام معدودات : (قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ).
هذه الإمتيازات الكاذبة المصطنعة ، التي أسبغوها على أنفسهم ونسبوها إلى الله ، صارت شيئاً فشيئاً جزءاً من معتقداتهم بحيث إنّهم اغترّوا بها وراحوا يخالفون أحكام الله ويخرقون قوانينه مجترئين عليها جرأةً لا مزيد عليها (وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
__________________
ـ أحد بامرأة غيره ، أي بامرأة جاره (مثلاً) يجب قتل الزاني والزانية». على الرغم من أنّ الرجم نفسه لم يرد ، فقد ورد العقاب بالموت ، وربما يكون التصريح بالرجم قد ورد في النسخة التي كانت موجودة على عهد رسول الله.