وتدحض الآية الثالثة كل هذه الخيالات الباطلة وتقول : لا شك أنّ هؤلاء سوف يلاقون يوماً يجتمع فيه البشر أمام محكمة العدل الإلهي فيتسلّم كل فرد قائمة أعماله ، ويحصدون ناتج ما زرعوه ، ومهما يكن عقابهم فهم لا يُظلمون لأنّ ذلك هو حاصل أعمالهم (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّارَيْبَ فِيهِ وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).
(قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (٢٧)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان عن ابن عباس : لمّا فتح رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة ووعد امّته ملك فارس والروم ، قال المنافقون واليهود : هيهات من أين لمحمّد ملك فارس والروم؟ ألم يكفه المدينة ومكة حتى طمع في الروم وفارس؟ ونزلت هذه الآية.
التّفسير
دار الكلام في الآيات السابقة حول المشركين وأهل الكتاب الذين كانوا يخصّون أنفسهم بالعزة وبالملك ، وكيف أنّهم كانوا يرون أنفسهم في غنى عن الإسلام. فنزلت هاتان الآيتان تفنّدان مزاعمهم الباطلة. يقول تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ).
إنّ المالك الحقيقي للأشياء هو خالقها ، وهو الذي يعطي لمن يشاء الملك والسلطان ، أو يسلبهما ممّن يشاء ، فهو الذي يعز ، وهو الذي يذل ، وهو القادر على كل هذه الامور : (وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).
ولا حاجة للقول بأنّ مشيئة الله في هذه الآيات لا تعني أنّه يعطي بدون حساب ولا موجب ، أو يأخذ بدون حساب ولا موجب ، بل إنّ مشيئته مبنية على الحكمة والنظام ومصلحة عالم الخلق وعالم الإنسانية عموماً ، وبناءاً على ذلك فإنّ أي عمل يقوم به إنّما هو خير عمل وأصحّه.