إنّ مشيئة الله هي نفسها عالم الأسباب ، إنّما الاختلاف في كيفية استفادتنا من عالم الأسباب هذا. في الآية التالية ولتأكيد حاكمية الله المطلقة على جميع الكائنات تضيف الآية :
١ ـ (تُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ).
وبهذا تذكر الآية بعض المصاديق البارزة على قدرة الله تعالى ، ومنها مسألة التغيير التدريجي لليل والنهار ، بمعنى أنّ الليل يقصر مدّته في النصف من السنة وهو ما عُبّر عنه بدخوله في النهار بينما يطول الليل ويقصر النهار في النصف الثاني من السنة وهو دخول وولوج النهار في الليل وكذلك اخراج الموجودات الحية من الميتة وبالعكس وكذلك الرزق الكثير الذي يكون من نصيب بعض الأشخاص دون بعض كلها من علائم قدرته المطلقة.
«الولوج» : بمعنى الدخول والقصد من الآية هو هذا التغيير التدريجي الذي نراه بين الليل والنهار طوال السنة ، هذا التغيير ناشىء عن انحراف محور الأرض عن مدارها بنحو ٢٣ درجة واختلاف زاوية سقوط أشعة الشمس عليها.
إنّ للتدرّج في تغيير الليل والنهار آثاراً مفيدة في حياة الإنسان والكائنات الاخرى على الأرض لأنّ نموّ النباتات وكثير من الحيوانات يتمّ في إطار نور الشمس وحرارتها التدريجية.
٢ ـ (وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَىِّ).
إنّ معنى خروج «الحي» من «الميت» هو ظهور الحياة من كائنات عديمة الحياة ، فنحن نعلم أنّه في اليوم الذي استعدّت فيه الأرض لاستقبال الحياة ، ظهرت كائنات حية من كائنات عديمة الحياة ، أضف إلى ذلك أنّ مواد لا حياة فيها تصبح بإستمرار أجزاءً من خلايانا الحية وخلايا جميع الكائنات الحية في العالم ، وتتبدل إلى مواد حية.
أمّا خروج «الميت» من «الحي» فهو دائم الحدوث أمام أنظارنا.
إنّ الآية ـ في الواقع ـ إشارة إلى قانون التبادل الدائم بين الحياة والموت ، وهو أعمّ القوانين التي تحكمنا وأعقدها ، كما أنّه أروعها في الوقت نفسه.
٣ ـ (وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
هذه الآية تعتبر من باب ذكر «العام» بعد «الخاص» إذ الآيات السابقة قد ذكرت نماذج