بالجماعة المؤمنة الموحدة ، وانقطعت إرتباطاتهم من جميع الجهات.
(إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَيةً). هذا استثناء من الحكم المذكور وهو أنّه إذا اقتضت الظروف ـ التقية ـ فللمسلمين أن يظهروا الصداقة لغير المؤمنين الذين يخشون منهم على حياتهم ، ولكن الآية تعود في الختام لتؤكّد الحكم الأوّل فتقول : (يُحَذّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ). فالله ينذر الناس أوّلاً بغضب منه وبعقاب شديد ، ثم إنّ مرجع الناس جميعاً إلى الله وإن تولّوا أعداء الله نالوا عاجلاً نتيجة أعمالهم.
إنّ التقية في موضعها حكم عقلي قاطع ويتّفق مع الفطرة الإنسانية.
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٩)
نهت الآية السابقة عن الصداقة والتعاون مع الكافرين والاعتماد عليهم نهياً شديداً ، واستثنت من ذلك حالة «التقية». إلّاأنّ بعضهم قد يتخذ من «التقية» في غير محلها ذريعة لمدّ يد الصداقة إلى الكفار أو الخضوع لولايتهم وسيطرتهم. وبعبارة اخرى أنّهم قد يستغلّون «التقية» ويتخذونها مبرّراً لعقد أواصر العلاقات مع أعداء الإسلام ، فهذه الآية تحذّر أمثال هؤلاء وتأمرهم أن يضعوا نصب أعينهم علم الله المحيط بأسرار القلوب والعالم بما ظهر وما خفي وتقول : (قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ). ولا يقتصر علم الله الواسع على ذلك ، بل : (وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ).
في الواقع أنّ هذه الآية لكي تنبّه الناس إلى إحاطة الله بأسرارهم الخفية ، تشير إلى أنّ معرفة الله بأسرارهم إنّما هي جانب صغير من مدى علمه اللامحدود الذي يسع السماوات والأرض ، وهو إضافة إلى علمه الواسع قادر على معاقبة المذنبين : (وَاللهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (٣٠)
تشير هذه الآية إلى حضور الأعمال الصالحة والسيئة يوم القيامة ، فيرى كل امريء ما عمل من خير وما عمل من شرّ حاضراً أمامه ، فالذين يشاهدون أعمالهم الصالحة يفرحون