(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ). هذه الآية تتابع حديث الآية السابقة وتقول : ما دمتم تدّعون الحب لله ، إذاً اتّبعوا أمر الله ورسوله ، وإن لم تفعلوا فلستم تحبون الله ، والله لا يحب هؤلاء (فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَايُحِبُّ الْكَافِرِينَ).
(إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣٤)
في مبتدأ هذه الآية يشرع القرآن بسرد حكاية مريم وأجدادها ومقامهم ، فهم النموذج الكامل لحبّ الله الحقيقي وظهور آثار هذا الحب في مقام العمل والذي أشارت إليه الآيات السابقة.
«اصطفى» : من الصفو وهو خلوص الشي من الشوائب ومنه «الصفا» للحجارة الصافية وعليه فالاصطفاء هو تناول صفو الشيء.
تقول الآية : إنّ الله إختار آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران من بين الناس جميعاً ، هذا الاختيار قد يكون «تكوينياً» وقد يكون «تشريعياً» أي أنّ الله قد خلق هؤلاء منذ البدء خلقاً متميزاً ، وإن لم يكن في هذا الإمتياز ما يجبرهم على اختيار طريق الحق ، بل إنّهم بملء اختيارهم وحرّية إرادتهم إختاروه ، غير أنّ ذلك التميّز أعدّهم للقيام بهداية البشر ثم على أثر إطاعتهم أوامر الله ، والتقوى والسعي في سبيل هداية الناس نالوا نوعاً من التميّز الإكتسابي ، الذي إمتزج بتميزهم الذاتي ، فكانوا من المصطفين.
(ذُرّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) (١).
تشير هذه الآية إلى أنّ هؤلاء المصطفين كانوا ـ من حيث الإسلام والطهارة والتقوى والجهاد في سبيل هداية البشر ـ متشابهين ، بمثل تشابه نسخ عدّة من كتاب واحد ، يقتبس كل من الآخر : (بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ).
(وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). في النهاية تشير الآية إلى حقيقة أنّ الله كان يراقب مساعيهم ونشاطهم ، ويسمع أقوالهم ، ويعلم أعمالهم. وفي هذا إشارة أيضاً إلى مسؤوليات المصطفين الثقيلة نحو الله ومخلوقات الله.
__________________
(١) «الذرّيّة» : أصلها الصغار من الأولاد ، وقد يشمل الأبناء الصغار والكبار أيضاً بلا واسطة أو مع الواسطة ، والكلمة من «الذرء» بمعنى الخلق والإيجاد.